يبدو أن الأستاذ والصحافي المخضرم أحمد الجارالله قد يئس من أن يجد صدى لدعوته المتكرره بتعطيل الدستور الكويتي والانقلاب على النظام الديمقراطي فأخذ يستعين بالتاريخ ليلوي أعناق الحقيقه فقط من أجل أن يخلق مبررا أخلاقيا لدعوته الباطله والمحرضه على حل مجلس الامة الكويتي حلا خارج إطار الدستور .
وآخر تحف الاستاذ أحمد الجارالله كانت إستحضار مقولات ومواقف للرئيس الاميركي ابراهام لينكولن ولرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ليخلص الجارالله عبرها بأن هذين الزعيمين الكبيرين كانا ضد الدستور ولم يترددا بتعطيله حينما كانت المصلحة الوطنية تقتضي ذلك داعيا رئيس الوزراء في الكويت إلى إتباع نهجهما .
ولا أدري حينما قرأت مقالة الجارالله لماذا تذكرت أبيات أمير الشعراء حينما أبدع وقال :
برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا إلى أن قال مخطئٌ من ظن يوماً أن للثعلبِ دينا.
وطالما أباح الجارالله لنفسه حق إستحضار التاريخ ولوي أعناق الحقائق لتتواءم مع دعوته الضالهوالمضله في التحريض على الحل خارج إطار الدستور كان من الضروري أن يتم التوضيح له ان لينكولن الذي حرر العبيد والذي بذل حياته ثمنا للدفاع عن الدستور الأميركي وحالة الإتحاد في بواكير الدولة الأميركية لم يكن ليخرج عن الدستور قيد أنمله ولن يكون يوما في صف الدعوه الضاله للعمل من دون دستور .
والجزئية التي أشار لها الجارالله كانت تتعلق بتفاسير مختلفه للنصوص الدستور بين لينكولن حينما كان رئيسا للولايات المتحده وبين الولايات الجنوبية التي أعلنت الانفصال وتشكيل ما يعرف بالولايات فهذه الولايات كانت ترى ان الدستور الثاني للولايات المتحده التي عدل في العام لم يكن يحتوي نصا يمنع الولايات من الانفصال في حين كان يرى لينكولن ان الدستور الثاني جاء ليكمل الدستور الاول والذي كان ينص بصراحه على تحريم خروج الولايات المتحده وكأنه بهذا الموقف يكون أقرب ما يكون لموقف الرافضين اليوم في الكويت للحل غير الدستوري رفضا لنظرية بقاء الدوله مقدم على وجود الدستور في حين يكون موقف الولايات المنفصله أقرب لموقف الداعين في الكويت لحل مجلس الامه حلا غير دستوريا وعلى رأسهم الجارالله وفي الحالتين في الولايات الجنوبية أبان عهد لينكولن , وفي الكويت لدى الداعين للحل غير الدستوري كانت المصالح هي المحركة فهناك كان الانفصال من أسبابه تحرير لينكولن للعبيد وتضرر اصحاب المصالح اقتصاديا وهنا يقف وراء دعوة الحل طبقة حاكمة ومتنفذه ومرتبط معها مجموعه من القطط السمان التي أخذت في التحول الى عجاف بسبب تفعيل جزء بسيط من الرقابه الشعبية وفقا لدستور ١٩٦٢ .
هذا عن لينكولن الذي اراد الجارالله التقول عليه والذي أراد ان يجعل ممن انتخب كعضو في الكونغرس مرات عديده وممن حافظ على الدستور بمنع انفصال عدوا للدستور , أما عن تشرشل فالقضية تختلف فهذا الزعيم البريطاني ورغم ان القصف الالماني كان يلوح في الأفق ورغم ان أجواء الحرب كان مستعره الا ان ذلك لم يثني بريطانيا وتشرشل عن النزول تحت حكم الدستور وخوض الانتخابات في حين ان فرقة الحل غير الدستوري في الكويت والتي تتمنى أن يسخن الصراع الاميركي الايراني كي يكون مبررا لحل مجلس الامه حلا غيرا دستوريا, وشتان بين ثريا الديمقراطية في وبين ثراها كل عهد .
وتاريخيا كان انتقاد تشرتشل لبعض النواب في مجلس العموم يرتكز على آراء أبدوها وتتعلق بسير المعارك الحربية في حين ان اغلبية المجلس من النواب الباقين وهم الاربع مائة وأكثر المتبقين كانوا يساندون خطط تشرشل ووزير دفاعه وهكذا كان الزعماءفي أوقات الحروب والازمات مع الدستور فيحترمونه على الدوام مهما كانت المرحلة حاسمه في حين يتعامل بعض زعماء العالم الثالث المتخلف مع الدستور وكأنه "لحاف شتاء "فتجدهم يتغطون به ويتنعمون بدفئه حينما تكون هناك حاجة كالتعرض للغزو وغير ذلك أما حين تكون الأمور وكما يقول البدو '' سهود ومهود'' تجد من ينعق كبوم الشؤم, ومن يحلق في السواد كغراب البين ليمسك في زمام الأمة ويستبيح إرادتها بإسم الدعوه إلى التنمية المتعطله وكأن قمصان عثمان لم تنتهي .
بيض الله وجهك يا أحمد.
فقد كانت كلماتك سراجا لنا .
وكان فكرك الثاقب كاشفا لمن يتلبس بلبوس الورع والتقوى و'' التنمية '' لينهش لحم الامه وعظمها .
بيض وجهك ... يا أحمد شوقي بالطبع .