الشيخ مبارك الصباح - الشيخ أحمد الجابر ( المصدر - شبكة الانترنت)
ونحن نرى بعض المنفلتين في مسألة إخراج العراق من إلتزامات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة من قوى إقتصادية وقوى طائفية يتراجعون وعلى إستحياء عن هذا المطلب بعد أن قرر مجلس الأمن عدم الاستجابة لطلب الحكومة العراقية في هذا الشأن وإرجاء الأمر إلى 6 اشهر أخرى, ليس لنا ونحن في ذكرى الغزو العراقي, وليس الصدامي, للكويت إلا أن نستذكر وبفخر زعيمين كان لهما والمحيطين بهما الفضل بعد الله في حفظ الكويت كإمارة تنتمي إلى محيطها الخليجي لا العراقي, وهما الشيخ مبارك الصباح أمير الكويت وباني دولتها الحديثة , والشيخ أحمد الجابر أمير الكويت خلال إنتقال الدولة إلى النظام الحديث, فهذان الأميران أنقذا الكويت من التبعية إلى العراق حينما رفضا كل المبررات التي تدعو للتقارب مع العراق بإسم التبعية للدولة العثمانية الأم , وبإسم ما عرف إبان فترة المجلس التشريعي 1938 بالمطالبة بلم الشمل مع العراق والتي صدرت من شباب متحمس فكانت معاهدة الحماية البريطانية 1899 التي لم تمكن دولة بحجم الامبراطورية العثمانية من الاستيلاء على الكويت , وكانت صلابة الشيخ أحمد الجابر كذلك التي منعت الاطماع العراقية من التوسع وضم الكويت بإسم دعاوى القومية العربية .
وفي الحالتين الكويت أواخر القرن التاسع عشر , والكويت في ثلاثينيات القرن العشرين كانت هناك أطراف كويتية تحاول التقارب مع العراق تحت مبررات إقتصادية وقومية بعضها تم بنية حسنه وبعضها بغير ذلك ولكنها لم تتمكن ولله الحمد والمنه من التأثير على أصحاب القرار في حينه , فأخذت هذه الدعوات والمحاولات تتراجع تدريجيا حينما كانت تختفي السكرة وتتضح الفكرة بالصورة نفسها التي بدأت تتضح فيها مدى بشاعة وإنتهازية سكرة " الاستثمارات مقابل التعويضات " والتي طرحت في الكويت بقوة قبيل وخلال وبعد زيارة رئيس البرلمان العراقي أياد السامرائي للكويت مؤخرا وهي الزيارة التي سبقت عقد جلسة مجلس الأمن بشأن الحالة بين الكويت والعراق , وكأنما قضية التعويضات أصبحت أهم من قضية الحدود والتي تشهد موقفا عراقيا رسميا مماطلا في تنفيذ مقررات مجلس الأمن بهذا الشأن ومنها إستمرار سكوت الحكومة العراقية على التعديات العراقية فيما يتعلق ببعض المزارع العراقية وإمتدادها لمسافة أمتار داخل حدود الكويت الدولية , وعدم البدء بصيانة العلامات الحدودية 104 و 105 و 106 رغم وجود صندوق دولي دفعت الكويت والعراق ايضا حصتهما فيه ,وعدم إزالة مركز حدودي عراقي اقيم ملاصقا للحد الكويتي بصورة مباشرة , إضافة للتصريحات العراقية التي تصدر بين حين وآخر من سياسيين وبرلمانيين عراقيين موتورين يعترضون فيها على ترسيم الحدود بين العراق والكويت ويطالبون بضم أراضي كويتية أثبتها قرار مجلس الامن رقم 833 وهو القرار الأممي الوحيد الذي تم فيه ترسيم الحدود بين دولة وأخرى .
مع الأسف وفي حين كان العراق الرسمي والشعبي رغم الإختلافات الدموية بين أطيافه يبقى موحدا في مسألة إخراج العراق من إلتزامات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحده ,كان الموقف الكويتي متذبذبا بين موقف رسمي صلب وواضح وقاطع يقضي بضرورة قيام العراق بتنفيذ متطلبات قرارات مجلس الأمم المتعلقة بالحالة بين الكويت والعراق وأهمها صيانة العلامات الحدودية وإزالة التعديات العراقية على الأراضي الكويتية والكشف عن مصير باقي الأسرى الكويتيين وإعادة الممتلكات الكويتية والارشيف الوطني الكويتي , وبين مطالبات من قوى إقتصادية وطائفية تقترح وتروج لإستبدال التعويضات الكويتية بمشاريع إستثمارية وهي المطالبات التي وجدت صدى لدى الصحافة الكويتية عبر قيام صحف معينة بإبراز وجهة النظر العراقية في هذا الشأن وبخطوط عريضة وبأسلوب غير مباشر يتم فيه تخويف الكويتيين من مغبة إستمرار بقاء العراق تحت متطلبات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحده في حين إختفى في مناسبات عديدة الرأي الرسمي الكويتي والرأي الشعبي أيضا المعارض لهذا التوجه .
العلاقة بين الكويت والعراق يجب ألا تنزع من سياقها التاريخي فتحسين العلاقات مع نظام الحكم الجديد في العراق يجب ان يكون بقدر فالعراق سيبقى دوما العراق, ومهما كانت هناك مطالبات منطقية بخلق مناخ أفضل للعلاقات بين الدولتين والشعبين فيجب ان يكون ذلك بقدر وبحدود معينة فنحن نتعامل مع دولة يتغير نظام الحكم إما بإنقلاب أو بالقوة العسكرية , ونتعامل كذلك مع تيارات سياسية تختلف في كل شيء عدا الاتفاق بأن الكويت ما هي إلا حق عراقي سليب وإن حاول البعض إخفاء هذه النظرة في التعامل الرسمي مع الكويت لمصلحة آنية أو لتكتيك تتطلبه ظروف المرحلة ,او ببساطة للتخوف من أن يجد من يعلن ذلك مصيرا مشابها لكل من حاول التعرض للكويت كعبدالكريم قاسم وصدام حسين وهما من الشخصيات القوية جدا فكيف بنا بقوى سياسية تنتفع من حالة دولية معينة مع إحترامنا وتقديرنا للقلة من السياسيين العراقيين الراشدين الذي عرفوا الحق وإقتنعوا به وأدركوا أن المطالبة بضم الكويت ليس سوى إنتحار سياسي كونها وبكل بساطة دولة مستقلة في السياسة الدولية عنة العراق منذ حتى قبل نشوء العراق الحديث 1921 .
الكويت الرسمية مطالبة بأن تحسم الوضع مع العراق للأبد وتعلن أن مسار العلاقات مع العراق وفي القضايا المصيرية يجب ان يكون عبر القنوات الدولية أي الأمم المتحده ومجلس الأمن ولاحقا جامعة الدول العربية , وهو بالمناسبه المسار التاريخي الصحيح لأي تعامل كويتي مع العراق والذي إبتدأت به العلاقات مع العراق بدءا من معاهدة الحماية البريطانية العام 1899 ومرورا بإتفاقية ترسيم الحدود بين بريطانيا والدولة العثمانية 1913 وإستقلال الكويت 1961 والإنضمام لجامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحده أما محاولة عزل الكويت من هذا المسار وإختزال "الحالة بين الكويت والعراق " بمباحثات ثنائية فهي جريمة ترتكب بحق الكويت لا يجوز لا للكويت الرسمية ولا للكويت الإقتصادية ولا للأصوات الطائفية أن تدفع بها على الإطلاق .
ء
إذن اي لقاء ثنائي بين الكويت والعراق يجب ان يكون وفقا لقرارات دولية وتحت إشراف دولي فالعراق جحر لدغت الكويت منه مرات عديدة ولا يجوز ان نتيح أي فرصة لتكرار ذلك عبر محاولة تنفيذ أفكار لا يوجد عليها إجماع وطني , أو عبر مغامرات إستثمارية تغلب مصلحة الفرد على المجموع, فالسياسية الخارجية وفقا للدستور الكويتي وأحكام المحكمة الدستورية تتضمن قضايا سيادية تختص فيها الدولة ممثلة بالحكومة وحدها, والقوانين الكويتية لمن يعتقد انه أكبر من القانون الكويتي تتيح محاكمة من يقوم بإتصالات مع أي دولة من شأنها تحقيق الضرر في الموقف الدبلوماسي للكويت .
أما الحمقى من السياسيين العراقيين الذين يطالبون بإعادة ترسيم الحدود مع الكويت بذريعة أنها رسمت عبر إذعان صدام حسين لقوات الحلفاء في خيمة صفوان 1991 الذين وللأسف تقوم بعض الصحف الكويتية بطرح وجهة نظرهم من دون إتاحة المجال لرد من الجانب الكويتي فأمثال هؤلاء لا يستحقون حتى ذكر أسمهم و لا نقول لهم سوى أن قرار مجلس الأمن 833 والذي تمت فيه الموافقة على ما توصلت اليه لجنة ترسيم الحدود بين الكويت والعراق تضمن عبارات قيلت من قبل مندوبي البرازيل وهنغاريا وجيبوتي واسبانيا والولايات المتحده وددنا لوانها طليت بماء الذهب وهي التي أكدت أن قرار 833 لا يعتبر ترسيما لحدود جديدة بل كان تأكيدا لاتفاقية ترسيم الحدود بين الرئيس العراقي احمد حسن البكر ورئيس وزراء الكويت آنذاك الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله , وأن هذا القرار لم يكن سياسيا بل كان فنيا لم يتم فيه إقتطاع أراض من العراق على الإطلاق إنما كان ترسيما للحدود كما وردت في اتفاقية 1963 ولهذا فلا إذعان من الجمهورية العراقية بقدر ما كان تأكيدا دوليا على إتفاقية عقدت بموجب القرارات الدولية حينذاك .
الكويت تحتاج فقط إلى إزالة التعديات العراقية على حدودها الدولية مهما كانت صغيرة كي لا تكون بمثابة حالة تبنى عليها امور أخرى مستقبلا , وتحتاج ايضا إلى إقامة منطقة حدودية من الجانبين العراقي والكويتي كي لا تتكرر التعديات العراقية مستقبلا بمناسبة وبدون مناسبة , وتحتاج كذلك إلى تنفيذ حرفي لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالحالة بين الكويت ولعراق من دون محاولة عراقية واضحة للتملص من الاستحقاقات التي ترتبها هذه القرارات , وحين يستقر كل ذلك وتصبح قضية الحدود في وضع لوجستي آمن حينها لن تصبح لقضية التعويضات والديون عائقا أمام إخراج العراق من متطلبات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحده .
الحدود كانت وعلى الدوام فتيل الأزمات والإعتداءات العراقية على الكويت ولهذا يجب أن تبقى قضية الكويت الأولى ويجب ان تصبح من القداسة بمكان بحيث لا يتاح لأي طامع في الخارج او الداخل أي فرصة لتهميشها وتجاوزها بإسم توثيق العلاقات إستثماريا .
وإذا كان الموقف العراقي الرسمي والشعبي الموحد من التحركات الكويتية بشأن ضرورة إلتزام العراق بقرارات مجلس الأمن وتنفيذها وخصوصا قضية صيانة العلامات الحدودية وإزالة التعديات على الأراضي الكويتية بما في ذلك المركز الحدودي العراقي قد كشف أن العراق سيبقى العراق الرافض لتنفيذ قرارات مجلس الأمن حرفيا فإن الكويت الرسمية مطالبة بأن تعود إلى إستخدام مصطلح الغزو العراقي والعدوان العراقي بعد إن إختفيا في الوثائق الرسمية الكويتية وفي بيانات مجلس الوزراء ملذ العام 2004 حيث تم إستبداله بمصطلح الغزو الصدامي وكأنما صدام حسين هو وحده من غزا الكويت, وكما لو أن هذا الغزو لم يصادف هوى في أنفس عراقية أخرى .
ولولا ان "الهيئة العامة لتقدير التعويضات عن خسائر العدوان العراقي" كانت بهذا الإسم لأختفى هذا المصلح نهائيا من دولة لا تزال تعاني الأمرين رسميا وشعبيا من جار الشمال .
نحن الطرف المعتدى عليه ويجب ألا يغفل أحد عن هذه الحقيقة .
أما أسر الشهداء والأسرى والمفقودين فليس لنا في هذا اليوم إلا أن نذكر العالم بأسره بأن النصر الحقيقي الذي حققت الكويت والأمم الحره إبتدأ بتضحيات الشهداء والأسرى واسرهم ولهذا فلهم الفضل بعد الله في كل دقيقة حرية ورخاء نعيشها اليوم بما في ذلك من يدعو إلى إستبدل الإستثمارات بالتعويضات .... .