الاثنين، 13 أغسطس 2012

معركة الدستور الأخيرة : أحمد وجاسم


السعدون والخرافي خلال جلسة من جلسات مجلس الأمة ١٩٧٥

.....وبعد سبع وثلاثين عاما من الصراع السياسي أغسطس ٢٠١٢



بعد مغادرته للمشهد السياسي  بعد حل مجلس الأمة  2009 بإعتزال مفاجىء للعمل البرلماني ،عاد الرئيس جاسم الخرافي من جديد وبشكل أيضا مفاجىء ليلعب دورا مؤثرا في المعركة السياسية الأقسى في تاريخ الكويت الحديث .

بعد عودته إلى مقعد الرئاسة بشكل مفاجىء بعد غياب إثني عشرعاما وعقب حراك شعبي جارف ،غادر الرئيس أحمد السعدون سدة الرئاسة أيضا فجأة ليجد نفسه على أعتاب المعركة السياسية الأقسى في تاريخ الكويت الحديث .

وهكذا ترتسم ملامح هذه المعركة السياسية التي شاء القدر أن يكون توقيتها في السنة الخمسين لإنتقال الكويت، أوهكذا يفترض ، من كونها مشيخه ،كما كانت تسمى في الإعلام العالمي، إلي أن تكون دولة دستورية .

إذن وبعد سبع وثلاثون عاما من فوزهما للمرة الأولى بالمقعد النيابي عام ١٩٧٥ في الدائرة الإنتخابية نفسها (القبلة) سيختم أحمد وجاسم هذا الصراع الطويل والمتعب والمنهك بمعركة ستحدد شكل الكويت الحقيقي في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين فإما  دولة نظامها الإقتصادي رأسمالي إجتماعي ذو ملامح إشتراكية أو دولة نظامها الإقتصادي رأسمالي حر ذو ملامح ليبرالية-إقطاعية    .

فريق المعارضة يضم قوى سياسية ترفع شعارات إصلاحية ، ومجاميع شبابية متعدده لعبت دورا في حراك نوفمبر 2011 ،ويضم كذلك مجاميع شعبية تتوزع في الدوائر الخمس ، إضافة إلى مئات المدونين والكتاب الذين يدعمون مشاريع الإصلاح السياسي .

وهو فريق يلعب رئيس مجلس الأمة فبراير2012 أحمد السعدون دورا هاما في قيادته ويتكون من مجاميع سياسية شعبية ( كتلة العمل الشعبي , شخصيات سياسية مستقله ) ومن قوى سياسية إسلامية ( الحركة الإسلامية الدستورية , كتلة التنمية والإصلاح , كتلة العدالة , الجناح الإصلاحي في التجمع السلفي , شخصيات إسلامية مستقلة )  .

فريق السلطة  يضم القوى المؤثرة بالنظام من الشيوخ ورئيس مجلس الأمة الحالي جاسم الخرافي والذي عاد لمنصبه نتيجة لخطأ يقال أنه إجرائي في مرسوم حل مجلس 2009 ، ويضم كذلك مجاميع سياسية تابعة له ، كما يضم هذا الفريق  بصورة غير مباشرة القوى السياسية التقليدية التي فقدت مراكزها التقليدية في إنتخابات فبراير2012 ومنها تيارات سياسية شيعية كان بعضها في المعارضة إلى وقت قريب قبل أن يتحول بطرحه إلى دعم السلطة.

 ومن هذه القوى السياسية التقليدية الجناح السلطوي في التجمع السلفي والذي يقال أنه يلعب دورا مهما في التحولات التي ستشهدها الكويت .

ويضم فريق السلطة يضم هذا الفريق مجاميع سياسية فردية تقدم بطرحها المتطرف خدمات غير مسبوقة كإيذاء الخصوم في شرفهم وأعراضهم .

 كما يضم فريق السلطة الضخم نسبيا  صحف ووسائل إعلام تعمل كأذرع إعلامية لشركات يملكها التجار التقليديين والطارئين والتي تحقق مكاسبها ليس من إنجاز المناقصات بل من إستغلال المناقصات وترسيتها ،ومن إستغلال المال العام من دون تنفيذ هذه المناقصات.

كما يضم هذا الفريق كتاب ومدونين بعضهم يدعم هذا الفريق عن قناعه وبعضهم يتكسب من تبدل المواقف , وبعضهم لم يجد له دورا مؤثرا في فريق المعارضة فقرر التحول بالولاء لفريق السلطة لعل وعسا ، وبعضهم يرى أن كتلة الأغلبية تخطف البلد إلى المجهول فقررالتصدي لها بدعم السلطة وتدعيم مواقفها .

المعركة السياسية الأقسى في تاريخ الكويت بدأت بالفعل بقيام فريق السلطة بتقديم أداء مشابه لفريق المعارضة فالسلطة أصبحت كما المعارضة تستند في خطابها  إلى الدستور ومضامينه وترفع شعارات الدفاع عنه بعد أن كانت تنتهكه جهارا نهارا حسبما يقول خصومها من المعارضة  .

هذه المعركة تم فيها تبادل القصف المكثف في جبهة الدوائر الإنتخابية الخمس بالأصوات الأربعة ففريق السلطة يرى أن هذه الدوائر وفي التجربة الثالثة لتطبيقها أتت بتركيبة نيابية لا تخضع للسلطة للمرة الأولى في تاريخ الكويت ما جعل الدوائر الخمس تكون في وجه مدفع السلطة رغم أنها صدرت وفق الرؤية الحكومية عام 2006.

كما أصبحت هذه الدوائر محط سهام قوى سياسة طالما أفتخرت في كونها من كانت سببا في إقرارها فإذا الشعار يتبدل من "نبيها خمس " إلى " ما نبيها أربع ... أصوات" .

فريق المعارضة يرى أن رفض النظام الإنتخابي الحالي ليس سوى إنقلاب دستوري على نتائج إنتخابات فبراير ٢٠١٢ والتي عبرت عن إرادة الشعب الحقيقة ، وأن كل ما يحصل مخطط يهدف إلى الإتيان بنظام إنتخابي هجين يقيد وللأبد سلطة الشعب عبر ترسيخ النظام الفردي لا المؤسسي . 

الشباب والحراك الشبابي والذي كان أهم أسباب ترجيح كفة المعارضة في إنتخابات فبراير2012  كان جبهة مهمه في هذه المعركة ففريق السلطة أنشأ مجاميع شبابية تصدر بيانات تتنوع فيها الأسماء طائفيا وقبليا في رسالة مفادها أن الشباب يدعم إطروحات السلطة أوعلى الأقل لا يدعم المعارضة  .

 كما أن الصحف سلطوية الهوى تحاول التقرب من الحراك الشبابي عبر لقاءات تلفزيونية مطوله وتصريحات صحافية لا تتوقف تتركز فيها المواضيع حول كتلة الأغلبية ومضمون هذه اللقاءات "للراسخين في العلم " تحريض الحراك الشبابي ضد بيئته الأم .

هذا الفريق إستعان بمدونين في موقع  تويتر من أجل مهاجمة الشخصيات السياسية في فريق المعارضة في حين يواصل المدونون المحسوبون على المعارضة حملاتهم "التويترية" المؤثرة ضد فريق السلطة .

العمليات الكبرى التي يخشى فريق المعارضة منها في هذه المعركة فتتمثل في قيام فريق السلطة ،في حال افرزت الإنتخابات المقبلة عن مجلس أمة خاضع للسلطة يضم تسعة وعشرين  نائبا مواليا وأكثر، بتكبيل الدستور عبر تعديله بشكل إنتقائي ليتم وللأبد منع تشكل أغلبية معارضة تسيطر على مجلس الأمة.

ويعتبر فريق المعارضة أن نوايا السلطة ومطالبات تيارات سياسية تتناغم معها بتقليص عدد الأصوات في النظام الحالي  إلى صوت واحد مؤشرا إلى أن فريق السلطة يخوض معركة كسر عظم ضد كتلة الأغلبية في مجلس ٢٠١٢.

فريق المعارضة يبدو مشتتا في تعامله مع المستجدات في ظل تصارع الأجندات الصغرى من دون أن تكون لديه خطط تتصدى للإختراق المهم الذي يحدثه فريق السلطة في مجالات الإستناد في خطابه للدستور , والتواصل الشكلي مع الشباب ,  وتفعيل مواقع التواصل الإجتماعي .

كما أن فريق المعارضة  أستغرق كثيرا في بحث المطالبات الإصلاحية في الوقت الذي لم تحدد بعد الآليات المناسبة لخلق حشد شعبي ضخم يواجه مشروع تكبيل الدستور الذي يمهد له فريق السلطه . 

ومع كل ذلك ففريق المعارضة يحمل مشروعا واضحا ومحددا للتعامل مع كويت العام 2012 وهو مشروع وإن كان غير كامل إلا أنه المشروع الوحيد الذي يصدر من كتلة محدده ومنظمه تجمعها أهداف واحدة .

المعركة السياسية الأقسى في تاريخ الكويت من المهم جدا ضبطها مبكرا برفض تخوين أي طرف للآخر ،وبتحييد الجانب الأمني وعدم إقحام العسكر في الصراع السياسي تحت أي مبرر وصورة  .

ومع التأكيد على ضرورة محافظة السلطة والمعارضة على النظام العام، يجب الإنتباه إلى أن أي حل أمني ضد فريق المعارضة قد يعد تدخلا من مؤسسات يفترض فيها أن تكون محايده وموالية للكويت الدولة . 

ولكن ، وهو إحتمال حالم ، هل يصل أحمد السعدون وجاسم الخرافي إلى قناعه مفادها أن ختام حياتيهما السياسية يجب أن يكون مسكا فيطلبا معا من سمو الأمير عقد مؤتمر وطني شامل يعقد بعد إنتخاب مجلس أمة جديد وفق نظام الدوائر الحالي ، ويضع هذا المؤتمر بالتوافق أسس الكويت الجديدة ؟

مؤسف أن ننشغل بالصراعات السياسية في حين ينشغل الآخرين بالإنجازات التنموية  .