الخميس، 31 يناير 2013

'كونا' و الصحف شوهت تقرير مراسلون بلا حدود لصالح الحكومة




أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود تقريرها السنوي عن حالة الحريات الصحافية في العالم وجاء فيه أن الكويت حلت في المركز 77 من أصل 179 دولة  متقدمة مركزا واحدا عن العام الذي سبقه لكنها تأخرت في الدرجة وحصلت على نتيجة أسوأ بربع نقطة كما وضعت الكويت في خانة الدول التي لديها مشاكل ملحوظة مع الحريات الصحافية .

وعربيا وإقليميا جاءت الكويت في المركز الثاني بعد موريتانيا والتي جاءت في المركز 67.

وكان ملاحظا أن التقرير لم يذكر اي ملاحظات إيجابية أو سلبية بشأن الكويت كونه يركز فقط على الدول التي شهدت تغيرات سلبية أو إيجابية ملحوظة , والكويت وفقا للجداول التي نشرت راوحت تقريبا في مكانها فقد تأخرت ربع درجة وتقدمت مركزا واحدا نتيجة لتأخر غيرها . 

إلى هنا والخبر يوحي بأن الكويت لم تتقدم في مجال الحريات الصحافية بل أنها ازدادت سوءا عن العام 2008 حيث تأخرت عن ذلك العام بـ 16 مركزا حيث جاءت في المركز 61 وبدرجة حريات بلغت 12.63 (حاليا 28.28) .

ولكن ولأن الأوضاع السياسية في الكويتية كانت تحتاج في ظل الملاحقة السياسية للسياسيين والمغردين إلى خبر إيجابي يدعم توجهات الحكومة والتيارات السياسية المساندة لها تم تحوير الخبر بطريقة لا مهنية ليصبح كالتالي :  ' الكويت الأولى عربيا وإقليميا في حرية الصحافة '.

كما ورد في  الخبر الذي بثته كونا ونشرته معظم الصحف من دون تدقيق عبارات مثل  ' ان الصحافة الكويتية تتمتع بأعلى معدل حرية صحافة وضمان سلامة الصحافيين في المنطقة' و ' لكويت متقدمة بفارق كبير على العديد من جيرانها الإقليميين حتى على دول الربيع العربي',  وهي عبارات لم ترد في التقرير عن الكويت وإنما كانت مجرد فهم مغلوط تم أغلب الظن بشكل متعمد من كاتب الخبر . 

إذن تقرير مراسلون بلا حدود لم يبتعد في مضمونه عن التقرير الذي أصدرته جمعية ' فريدوم هاوس ' المعنية بمستوى الحريات في العالم منتصف الشهر الحالي والذي انخفضت فيه درجة الكويت في الحريات السياسية والفردية , ومع ذلك وجدنا وكالة الأنباء الرسمية ومعها بعض الصحف تحاول تحويل هذا التقرير من تقرير يحذر وينبه إلى تراجع مستوى الحريات الصحافية إلى تقرير احتفالي يجعل الكويت أيقونة للحريات الصحافية في الوطن العربي .

ولا شك أن هذه المحاولة المتذاكية تكاد تتفوق على محاولة الحكومة تحويل انخفاض نسبة تصويت الكويتيين في انتخابات ديسمبر 2012 لمجلس الصوت الواحد من مقاطعة بنسبة 60% إلى مجرد مقاطعة بنسبة 20% .

كما كشفت هذه المحاولة المستوى المهني المتواضع لمعظم الصحف الكويتية حيث مر عليهم هذا الخبر رغم أهميته من دون أدنى تدقيق، وهو خبر يتشابه كثيرا في عدم مصداقيته مع خبر رفع القرض الإسكاني وتخفيض نسبة الخصم على القسط الشهري والذي نشرته معظم الصحف على صدر صفحاتها الأولى نقلا عن مصدر حكومي , وفي صباح اليوم التالي تم نفيه من مسؤول حكومي .

القراء في الكويت يستحقون اعتذارا من وكالة الأنباء الكويتية ( كونا) ومن الصحف التي نشرت الخبر من دون تدقيق فالصحف ليست نشرات توزع بل مؤسسات عريقة تدقق الأخبار ولا تنشر سوى الموثوق منها.

في ما يلي تقرير نشرته وكالة الأنباء الكويتية 'كونا' عن حرية الصحافة، في ما يلي نصه:

أجمع عدد من الأكاديميين والإعلاميين الكويتيين على ان حصول الكويت على المركز الأول عربيا وإقليميا في حرية الصحافة حسب التقرير الذي أصدرته منظمة (مراسلون بلا حدود) جاء تتويجا لديمقراطيتها الراسخة في جميع نواحي الحياة.
وقال أستاذ الإعلام في جامعة الكويت الدكتور أحمد الشريف في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم ان تقرير (مراسلون بلا حدود) وسام للديمقراطية الكويتية في مجال الحريات التي يتيحها ويصونها القانون والدستور الكويتي مؤكدا ان الشعب الكويتي يفتخر بهذه الحرية التي يتمتع بها.

وأعرب عن امنياته بان يستثمر الاعلام الكويتي هذه الشهادة خير استثمار وأن يعي بأن هذه الحرية التي يتمتع بها حرية مسؤولة تجاه الأفراد والمجتمع والدولة وأن ترتقي الوسائل الاعلامية بأسلوب الحوار والمخاطبة وان تبتعد عن التجريح والخطابات غير المحمودة.

ومن جهته قال امين السر العام لجمعية الصحافيين الكويتية فيصل القناعي ان هذا التقرير يدل على ان الكويت من الدول المتقدمة في حرية الرأي وهو تأكيد دولي اخر على ان الكويت تتمتع بديمقراطية تميزها عن باقي الدول في العالم الثالث.

واضاف القناعي ان هذا التقرير فخر واعتزاز لكل مؤسسات الدولة وللمواطن الكويتي الذي يأمل ان تبقى بلده مثالا لحرية الرأي والتعبير في وسائل الاتصال المختلفة وان ماجاء من بيانات من جهات دولية متعددة مشهود لها بالحيادية والدقة في المعلومات لهو رد على بعض غير المنصفين الذين ادعوا ان الكويت فيها قمعا للحريات.

واضاف 'ان جمعية الصحافيين الكويتية تعلن اعتزازها بهذا المركز المتقدم وتعتبره مسؤولية ملقاة على عاتق جميع وسائل الاعلام المحلية للمحافظة على هذه المرتبة المشرفة في تقارير المنظمات الدولية'.

من ناحيته أكد عميد كلية العلوم الاجتماعية الاستاذ الدكتور عبدالرضا اسيري ان تقرير منظمة (مراسلوا بلا حدود) ليس بالامر المفاجئ حيث ان طبيعة النظام السياسي بالكويت تقوم على الشفافية وحرية التعبير.

وقال ان النظام السياسي بالكويت اعطى الفرد هامشا واسعا من الحرية للتعبير عن آرائه سواء بالحركة او التنظيم مبينا انه ينظر للحالة الديمقراطية الكويتية على انها معيارا وأنموذجا لأشكال الديمقراطيات والتنمية لاسيما في العالم الثالث.

وأوضح انه ليس غريبا ان تصنف الكويت اكثر الدول حرية بالصحافة وهي النموذج للدولة الصغيرة بمساحتها الكبيرة بديمقراطيتها لاسيما ان هامش الحرية أصبح أكبر مع وجود وسائل الاعلام الحديثة وظهور القنوات الاعلامية والسياسية والاقتصادية الخاصة بالاضافة الى كثرة عدد الصحف اليومية وتعددها الفكري.

من جانبه أكد استاذ الاعلام في جامعة الكويت الدكتور يوسف الفيلكاوي أن تحقيق الكويت المركز الاول في حرية الصحافة ليس غريبا فهي ليست المرة الأولى مبينا ان هذه المكانة لم تأتي الا بكفالة الدستور لحرية الصحافة والتعبير.

واعتبر ان هذه الشهادة من منظمة مثل (مراسلون بلا حدود) تعد مسؤولية وتحديا كبيرين لاسيما فيما يتعلق بكيفية استخدامنا لها بصورة مسؤولة.

وبين الفيلكاوي انه مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة ستكون الحرية أكبر وأقوى من قبل متمنيا أن تقوم الحكومة على تنظيم استخدام هذه الوسائل.

واضاف ان الحرية التي يتمتع بها المجتمع الكويتي ليست فقط اعلامية بل انها نابعة من المجتمع نفسه حيث تجدها في العلاقات الوظيفية والاجتماعية والتجارية وغيرها من جميع نواحي الحياة في الكويت.

الثلاثاء، 15 يناير 2013

هكذا عاش وسيعيش جابر الأحمد أميرا للقلوب




في لقاءه الأخير بأعضاء مجلس الأمة في 26 أكتوبر 2004 وجد أمير الكويت  الراحل الشيخ جابر الأحمد - رحمه الله - صعوبة في إلتقاط أنفاسه بعد أن سار المسافة بين مدخل مجلس الأمة وسدة الرئاسة حيث أصر على الحضور شخصيا جلسة إفتتاح دور الإنعقاد الثاني من الفصل التشريعي العاشر رغم أن صحته حينذاك لم تكن تساعده .


ساد صمت مهيب دام دقائق  قبل أن يتمتم الأمير الراحل بكلمات قليلة تكاد تسمع  ' بسم الله وعلى بركة الله نفتتح الجلسة وأسأل الله لكم التوفيق والسداد ' .

قبل ذلك بعام تحدث الشيخ جابر الأحمد في المكان نفسه بكلمة إرتجالية على , غير العادة , خاطب فيها النواب بشكل مباشر قائلا ' سامحوني على أي تقصير ' ثم إلتفت يمينا وعانق ولي العهد آنذاك الشيخ سعد العبدالله طويلا في ظل تصفيق طويل ذو مغزى من الحضور نوابا ونوابا سابقين ورجال سياسة .

الشيخ جابر الأحمد منذ إستلامه مسند الإمارة 31 ديسمبر 1977  كان رجل حكم لا رجل حكومة فالتفاصيل الدقيقة يتركها لرئيس الوزراء والوزراء وكبار المسؤولين ويحاسبهم ضمن الإطار الدستوري وعبر رئيس الوزراء لهذا وجد وقتا كافيا للتفكير بالقضايا الكبرى التي تهم وطنه وأمتيه العربية والإسلامية فكانت مبادرات جابر الأحمد التي تحققت في عهده على أرض الواقع ومنها : إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية , وإنشاء الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وهي هيئة إقليمية مقرها الكويت , وإنشاء مؤسسات ذات طابع حضاري ومتقدم في الكويت ومنها الهيئة العامة للإستثمار , إحتياط الأجيال المقبلة , المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية , الهيئة العامة لشؤون القصر , شركة المشروعات  السياحية ( أبراج الكويت, المدينة الترفيهية) , تنفيذ مشروع الواجهة البحرية .

لدى عودته من رحلة العلاج في 15 يناير 2002 كانت الكويت على موعد تاريخي بلغت فيها العلاقة الإيجابية بين الحاكم والحاكم ذروتها فلم يصدق المراسلون الأجانب الذين حضروا لتغطية هذا الحدث أن شعبا بأكمله يستقبل زعيمه وينهض منذ الفجر البارد جدا لينتظر وقبل ساعات قرب الشوارع التي سيمر بها موكب الشيخ جابر .

وكم كان المنظر مهيبا والأطفال يقفون جنبا إلى جنب مع كبار السن ويحييان معا 'بابا جابر' وهي الكنية الأشهر لسمو الأمير الراحل ويذرف البعض الدموع وهو يرى الشيخ جابر يحاول جاهدا رغم تعب المرض والسفر رفع يده محييا مستقبليه بإبتسامته الخجولة التي طالما رسمها على محياه لسنين طويلة .

العلاقة في تلك الفترة بين المعارضة والحكومة لم تكن إيجابية بل كانت تتسم بالتصعيد المتبادل ولكن كان هناك فصل تام بين الحكم والحكومة فالحكم علاقة متجذرة بالأنفس والحكومة تحاسب بقدر الخطأ .

في 15 يناير 2006 كان الكويتيون على موعد من الحزن فقد حان فراق أمير القلوب فكانت صبيحة هذا اليوم مليئة بالصدمة ما جعل جموعا من الشعب الكويتي تتجمع وبعفوية أمام بوابة قصر دسمان حيث يقيم سمو الأمير الراحل فإمتلاء دوار دسمان بقلوب محبة تذرف الألم وهي ترى جثمان أمير القلوب يتجه في موكب مهيب إلى المقبرة  ولا يكاد مئات الآلاف من المحبين يصدقون وهم يراقبون إجراءات دفن جابر الخير عبر التلفزيون أنهم لن يروا 'بو مبارك' مرة أخرى .

وكم كانت دهشة الزعماء العرب الذين حضروا مراسم الدفن ومراسم العزاء في قصر بيان من هذا الحجم الكبير من المعزين ومن مشاعر الحزن الحقيقي على فقدان أمير الكويت فقد كانت المشاعر عفوية وعميقة وتجسد علاقة الحاكم بالمحكوم التي كانت دوما سرا يميز الكويت عن غيرها من الدول , ونكهة لا يمكن تصور الكويت من دونها .

حين تعرض الشيخ جابر الأحمد لمحاولة إغتيال في 25 مايو 1985 ألقى كلمة بثت في التلفزيون وهو يرتدي الغترة فقط وآثار محاولة الإغتيال بادية عليه قال فيها عبارة تكشف عن عظمة هذا الزعيم التاريخي , والعظمة لله , ' إن عمر جابر الأحمد مهما طال الزمن هو عمر إنسان يطول أو يقصر ولكن الأبقى هو عمر الكويت والأهم هو بقاء الكويت والأعظم هو سلامة الكويت.'

مات جابر الأحمد فغادرنا الجسد وبقي الذكر خالدا فمن زرع حب شعبه حصد ثمار الحب الأبدي .