السبت، 21 نوفمبر 2015

يوسف المخلد .... قامة تعلو في الحياة والممات




عضو المجلس التأسيسي الأب المؤسس المرحوم يوسف المخلد والذي افتقدته الكويت الأسبوع الماضي يعتبر من البرلمانيين الذين كان لهم أثر فاعل في الحياة البرلمانية  فالرجل  الذي عاصر كل المجالس البرلمانية منذ المجلس التأسيسي 1962 إلى مجلس الأمة 1985 ، فيما عدا فترة انقطاع خلال مجلس الأمة 1981، استطاع ومع آخرين أن ينقل الكويت من عصر  إلى عصر عبر إستخدام راق لأدواته الدستورية   .

هذه المدة المبكرة والطويلة أتاحت للمخلد أن يكون من الفاعلين الحقيقيين في تحديد شكل الدولة ومؤسساتها الدستورية والبرلمانية والقضائية والإدارية حيث كانت لمداخلاته النيابية وأسئلته البرلمانية ومقترحات القوانين التي تقدم بها الأثر الكبير في تطور الكيان القانوني والمؤسسي للكويت في فترة وصفت بأكثر عصور الكويت ازدهارا من النواحي كلها  .

يوسف خالد المخلد المطيري ولد  في حي شرق العام 1923 وكان من المتعلمين حيث درس في مدرسة محمد صالح التركيت ولاحقا في مدرسة بن شرهان.

وعمل رحمه الله في بواكير حياته في التجارة حيث كان يملك دكانا لبيع السلع في مكتب والده في سوق الكويت حتى عام 1938.

ما لا يعرفه كثيرون أن هذا النائب البرلماني الصلب والمدافع بشراسة وصدق عن حقوق المواطنين  وخصوصا  ذوي الدخل المحدود لم يكن راغبا  في دخول الحياة السياسية حيث كان موظفا في بلدية الكويت وكان راتبه مقنعا في ذلك الوقت , لولا أنه وقع ضحية فخ  طريف من مقربين له حيث دعوه كضيف لوليمة أقيمت في بيت شعر في منطقة الفروانية  العام 1961 فإذا به يكتشف أن الأمر كان افتتاحا مبكرا لمقره الانتخابي ما جعله  يوافق على طلب المقربين منه بعد أن رأى صدق الإصرار منهم .

وهكذا خاض المخلد انتخابات المجلس التأسيسي في الدائرة الرابعة والتي كانت تضم مناطق الشامية والروضة   والفروانية وجليب الشيوخ والعضيلية وحصل على المركز الأول ب 374 صوتا وهي الإنتخابات التي وصفها في لقاء تلفزيوني بأنها منظمة جدا من قبل المرشحين رغم حداثة التجربة  .

الرجل الزاهد في العمل السياسي تحول إلى برلماني محنك يطرق في عمله البرلماني المواضيع الكبرى والتي حددت فيما بعد شكل الدولة الكويتية  الحديثة  حيث تميز هو وزملاءه في المجلس التأسيسي بأنهم تصدوا للمهام الجسيمة الملقاة على عاتقهم كأعضاء المجلس الـتأسيسي وهو المجلس الذي تولى مهمة إصدار  الدستور وتحديد الكيفية التي ستنطلق فيها دولة الكويت محليا وعربيا ودوليا في مرحلة ما بعد الاستقلال .

وكان للمخلد بصمات واضحة في مجالس الأمة التي نجح في الوصول إليها طوال 23 عاما من العمل البرلماني ولهذا لم يتردد في  مغادرة العمل البرلماني بعد أن خسر في انتخابات العام 1992 فكانت المحطة التي توقف عندها هذا المحارب البرلماني المخضرم .

وللمخلد دور أيضا في التصدي للحل غير الدستوري لمجلس الأمة العام 1986 حيث انضم لتكتل النواب الذي قاد العمل الشعبي الرافض للحل غير الدستوري لمجلس الأمة عبر سلسلة الاجتماعات التي عرفت ب " دواوين الأثنين "

في العام 2010 وخلال إحتفالية عقدت في مبنى مجلس الأمة بمناسبة ذكرى إصدار الدستور حضر  المخلد كمحاضر وكان لحضوره هيبة   فالحديث عن إصدار الدستور  تكون له نكهة مختلفة حين يتحدث عنه أحد صانعيه .

 رسالته في تلك الاحتفالية كانت " اتقوا الله في البلد وابتعدوا عن المهاترات  ولا تستخدموا أرذل القول في قاعة عبدالله السالم ".

وكانت بالفعل نصيحة تكتب بماء الذهب فالرجل الذي شهد ولادة الحياة البرلمانية  بما فيها من رقي وسمو عز عليه أن يرى هذا التردي في أسلوب الخطاب في قاعة يفترض أن تكون للحكماء .

وفي تلك الإحتفالية دافع المخلد عن الدستور واعتبر أن من وضعه هم خيرة الرجال ورأى أنه لا يحتاج إلى تعديل إلا إن كان التعديل لمزيد من الحريات.

وحصل حينها أن اعترض النائب حينها علي الراشد على ذلك معتبرا وهو من دعا الى تعديل الدستور أن  رأي المخلد يتضمن التخوين كون التعديل يأتي ضمن الدستور ذاته إلا أن المخلد وهو البرلماني المحنك اكتفى بالرد على مداخلة الراشد بالخروج من قاعة الاحتفال بعد دقائق من بدايتها والعودة مجددا بعد  ذلك وكأنه يسجل موقفا احتجاحيا بطريقة راقية لا تتضمن السجال والجدل.
   
ولكن ماذا عن أداء يوسف المخلد كبرلماني شارك في إصدار الدستور وفي تشريع قوانين الدولة منذ بدايات عصر النهضة ؟

في أولى مداخلاته النيابية أصر المخلد أن يتم بحث موضوع اللائحة الداخلية للمجلس التأسيسي في موعده المحدد من دون تأجيل في حين طالبت الحكومة بالتأجيل فتم التصويت فوافق المجلس التأسيسي على اقتراح المخلد ب 14 صوتا مقابل 13 صوتا رافضا في حين أمتنع عن التصويت الشيخ جابر الأحمد رحمه الله .

الأسئلة البرلمانية كانت الوسيلة التي أعتمدها المخلد في متابعة هموم المواطنين ولم يكن ممن يلجأ لآلية الاستجوابات وهو في هذا يتشابه مع نائب رئيس المجلس التأسيسي الدكتور أحمد الخطيب والذي عرف عنه التركيز على المناقشات العامة بدلا من الاستجوابات والتي يرى أنها محاكمة سياسية تتطلب ظرفا مناسبا للنجاح وهو ما لا يتوافر في ظل تركيبة المجلس التي كانت تقليديا تميل للراي الحكومي .

أما سؤاله البرلماني الأول فوجهه الى وزير الكهرباء والماء الشيخ سالم العلي  في 15 يناير 1964 وكان عن انقطاع الكهرباء المتكرر ليلا في قريتي العضيلية وجليب الشيوخ .

أما السؤال الأهم والذي طرح منذ بدايات العهد الدستوري فكان الذي وجهه عن قانون محاكمة الوزراء حيث  قدم سؤالا لرئيس مجلس الوزراء المرحوم الشيخ صباح السالم ( أمير الكويت لاحقا ) استفسر فيه عن موعد تقديم هذا القانون تطبيقا لما تنص عليه المادة 132 من الدستور .

وكان موقفا متقدما من المخلد أن يطرق مثل هذا الموضوع في الوقت الذي كان بعض الشيوخ يحاول مقاومة أن تكون لمجلس الأمة سلطة عليهم .

وفي السياق نفسه يسجل للمخلد أنه وجه مجموعة من الأسئلة تسأل وتدعو الحكومة إلى إصدار قوانين أساسية تتعلق بالتعليم الإلزامي والجيش والشرطة وأملاك الدولة , وتحصيل الأموال العامة وهي أسئلة تبين مدى عمق المخلد في طرحه النيابي , وتبين كذلك أنه كان يعمل كما لو كان حزبا لوحده لقيامه بالتركيز على القضايا الهيكلية والرئيسية والتي تحدد الشكل القانوني للدولة .

وكان رحمه الله مهتما حتى بالوافدين العرب الذين يسكنون الكويت حيث تابع قضية فصل وتسفير 15 طالبا عربيا من ثانوية الشويخ خلال العطلة الربيعية مطلع العام 1966 .

وبدا لافتا اهتمامه بمناطق لا تتبع لدائرته الانتخابية ومنها منطقتي المنصورية والروضة حيث كان يتابع مسألتي تنظيم هاتين المنطقتين ودعا الى ان يتم تخصيص قسائم لأصحاب الدخل المحدود فيها .

أما الاقتراحات بقوانين فقد تميز المخلد بتقديم مقترحات لقضايا مفصلية منها اقتراح تقدم به  العام 1968 مع نواب أخرين يتعلق بالعمل الفدائي ضد العدو الصهيوني ( إسرائيل ) حيث تضمن مقترح القانون اعتبار من يلتحق بالعمل الفدائي من الكويتيين وغيرهم بأنهم يؤدون جهادا مقدسا وعليه تستمر الحكومة بصرف رواتبهم حتى يعودوا وإذا استشهدوا تتم معاملتهم كما العسكريين.

وكان رحمه الله قريبا من العمال وخصوصا العاملين في القطاع النفطي والذين كانوا يعانون من انتهاك حقوقهم من قبل الشركات الأجنبية التي كانت تنتج النفط في الكويت فتقدم العام 1967 بالمشاركة مع النائب راشد سيف الحجيلان بمقترح قانون صاغه اتحاد عمال البترول يتضمن حقوقا وضمانات للطبقة العاملة .

وفيما يتعلق بإصلاح النظام الانتخابي كان للمخلد الريادة في طرح تخفيض سن الناخبين  من 21 سنة الى 18 سنة حيث تقدم بمقترح قانون شاركه فيه النائب المرحوم محمد الرشيد العام 1971 لتعديل المادة الأولى من قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة  .

كما بادر في اقتراح إنشاء هيئات وأجهزة في الدولة تتعامل مع اتساع رقعة الكويت وزيادة عدد سكانها ومن ذلك اقتراح انشاء هيئة عامة للإسكان العام 1971 , وتحديد حد أعلى لقيمة القسط الإسكاني كيلا يرهق ذوي الدخل المحدود , وانشاء محكمة إدارية تتعامل مع القضايا الإدارية وهو الاقتراح الذي تم تطبيقه بعد عشر سنوات من مقترح المخلد ما يدل أنه بالفعل أن أفكاره فيما يتعلق بتحديث البنية القانونية للدولة سبقت عصره .

وكان رحمه الله مهتما بترسيخ اللغة العربية وتشجيع التعامل معها في مجالات عدة كانت تستخدم فيها اللغة الإنجليزية بحكم وجود الشركات الأجنبية فاقترح في هذا الصدد قانونا يلزم باستخدام اللغة العربية في الإعلانات والعقود والاتفاقيات والمخططات والمراسلات كما يحظر استخدام الأسماء الأجنبية في كل مرافق ومنشآت الكويت , ويشترط في جميع المحلات أن يكون من يتصل بالجمهور مباشرة ممن يجيدون اللغة العربية .

تعديل المادة الثانية من الدستور لتكون الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع كان من التعديلات الدستورية التي شارك المخلد في تقديما ضمن 22 نائبا تقدموا بهذا الطلب العام 1975 وجاء في مبررات التعديل أنه وبعد مرور 10 سنوات على بدء تعديل الدستور لم يتم العمل الجدي لأن تكون هناك عودة للعمل بأحكام الشريعة الإسلامية تطبيقا لما تدعو له المذكرة التفسيرية ما يتطلب التقدم بهذا التعديل .

يغيب الأب المؤسس يوسف المخلد ولا يغيب فمثل هؤلاء الرجال العظام يبقون دوما ليس في ذاكرة الشعب بل في لُب حياته اليومية عبر قوانين عدة ضمنت الحياة الكريمة للمواطن  الكويتي معيشة وحرية سياسية وشعور بأن المواطن الكويتي ليس مجرد رقما في معادلة بل هو المعادلة كلها .

الخميس، 12 نوفمبر 2015

لنحافظ على الدستور بتنقيحه






ماذا يمكن أن نكتب عن الدستور الكويتي في الذكرى الثالثة والخمسين لإصداره ونحن نرى هذا الدستور لم يعد ,في نصوصه الحالية , الأنسب لتنظيم الحياة السياسية في الكويت .

في المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي تم شرح الأسباب التي جعلت المجلس التأسيسي يستقر على نصوص بعينها , وهي أسباب كانت تتعلق بظروف سياسية واجتماعية وجغرافية كانت تعيشها الكويت حين اصدار الدستور العام 1962 .

ولأن هذه الظروف التي جعلت المجلس التأسيسي يستقر على نصوص بعينها متغيرة بطبيعتها فقد ترك المجلس التأسيسي المجال مفتوحا للتعامل مع ظروف أخرى قد تستجد عبر آلية تنقيح الدستور وفقا للمادة رقم 174 من الدستور  .

ولكن ما الذي حصل طوال هذه السنين ؟ .
هل تم تنقيح الدستور الكويتي لمزيد من الحريات ؟
هل تم تغيير عدد الوزراء المنخفض والمقيد بأن يكون ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة ما حرم وزارات عدة مهمة من وجود وزير متفرغ لها ؟ .
هل تم السعي تدريجيا لأن يكون أغلبية الوزراء من أعضاء مجلس الأمة كما في التوجيه الدستوري لتنعم أي حكومة بالإستقرار السياسي ؟ .

للأسف لم يحصل كل هذا فالظروف السياسية والاجتماعية والجغرافية تغيرت إلى حد كبير ما جعل بعض مواد الدستور تصبح غير عملية ومع ذلك لم يتم للأسف تغيير أي مادة من مواد الدستور ال 183 .

إذن هذا الدستور وفي مواد عدة منه لم يعد متناغما مع طبيعة الحياة السياسية التي يعيشها الكويتيون حاليا , وربما كانت مفردة غير متناغم تعبيرا مخففا لحالة من الضرر تحصل بسبب عدم تنقيح الدستور طوال نصف قرن مضى .

هناك من يقول أن الوقت غير مناسب للحديث عن تنقيح الدستور , والحقيقة أن الوقت سيكون على الدوام غير مناسب عند هذا البعض , ورغم أن حجتهم التي تقوم على التخوف من أن يكون تنقيح الدستور بنكهة حكومية تبدو إلى حد ما وجيهة إلا أن تنقيح الدستور في الكويت لا يمكن أن يتم بمعزل عن الشعب الكويتي حتى وإن كانت أغلبية مجلس الامة في يد الحكومة كما في مجلس الأمة الحالي  .

ولنا في المحاولات الحكومية لتنقيح الدستور العام 1981 خير عبرة فالسيطرة الحكومية على مجلس 1981 لم تمكنها من النجاح  في سعيها لتنقيح الدستور في ذلك المجلس .

فرغم أنها  قطعت من أجل ذلك شوطا كبيرا ووافقها مجلس الأمة آنذاك بتصويت شهير إلا أن معارضة أغلبية الشعب الكويتي أجبرتها على  سحب طلب التنقيح  ولم يفيدها  اصرارها الكبير على تمريره ففي مسألة تنقيح الدستور يكون دوما  صوت الشعب الكويتي  أعلى .

إذن لنبدأ منذ اليوم الحديث عن تعديلات دستورية محددة تناقش وتطرح على الرأي العام الكويتي من أجل أن تكون جاهزة للتقديم في مجلس الأمة المقبل العام 2017 والذي ستخوض المعارضة الكويتية انتخاباته , فإلى متى , إن صح التشبيه ,  نقود سيارة قديمة جدا تتطلب تجديدا ضروريا ونخشى تحديثها خوفا من أن يكون الميكانيكي غير أمين في ظل قدرتنا على منعه من ذلك  .