الإصلاح الاقتصادي في الكويت لا يمكن أن ينجح بالطريقة التي يتم الترويج له فيها حاليا فسياسات الإصلاح الاقتصادي تتطلب أن تتم بهدوء وحكمة وضمن بيئة تشريعية ومجتمعية وسياسية مناسبة , وبغير ذلك فمصير هذا الإصلاح إما الفشل المؤذي أو الدخول في إجراءات ترقيعية لا تنتهي قد تخفف الصداع قليلا لكنها حتما ستؤدي إلى معضلات أكبر .
إذن ما هو الحل ؟
سياسات الإصلاح الاقتصادي لا يمكن التعامل معها كحل للمشكلات الطارئة فالمعالجات الآنية لأزمات طارئة مرتبطة بعوامل متغيرة , كما يحصل مع أزمة إنخفاض أسعار النفط , لا يمكن اعتبارها إصلاحا اقتصاديا فالإصلاح يعني خلق بيئة مناسبة للتحولات المهمة في طبيعة النشاط الاقتصادي , ووفقا لذلك , وليس قبل ذلك , يتم خفض الإنفاق على الأنشطة التي تستنزف الموارد المالية ويتم قصر هذا الإنفاق على كل ما هو ضروي من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية بالتوازي .
دور الدولة الأساسي هو توفير الأمن الاجتماعي للمواطنين عبر سياسات راسخة لا تتبدل من أهمها أن تخضع المؤسسات الرئيسية في الدولة كالمدارس والمستشفيات ووسائل النقل والاتصال والمطارات والجمعيات التعاونية ومراكز الشرطة والجيش والجمارك لسلطة الدولة المباشرة , وأن تدار بشكل مباشر من دون أن تشملها الخصخصة .
وهذا لا يعني عدم إتاحة مرافق بديلة يديرها القطاع الخاص , ولكن ولأن هذا القطاع يبحث بالدرجة الأولى عن الربح المالي , من الخطر جدا نقل الخدمات الحكومية كافة إليه من دون وجود بدائل تابعة للدولة فهذا يعني أن الشعب سيكون في واقع الحال محكوما من هذا القطاع الخاص , وخاضعا لسيطرة أصحاب الرساميل .
ولن يغير تحكم الدولة في التشريعات والنظم في الأمر شيئا فعلاقة المواطن ستكون مباشرة مع الشركات الكبرى , وسيكون خاضعا لتقلبات هذه الشركات فيما يتعلق بتقديم الخدمات العامة , وهو ما يعني تدريجيا تحول هذه الشركات العملاقة إلى حكومات مصغرة لا تخضع في واقع الحال لسلطة القانون نتيجة لقدرتها على تجاوز القوانين بسبب النفوذ السياسي الذي يتمتع فيه ملاك هذه الشركات .
دور الدولة يجب أن يظل قائما بشكل مباشر في تقديم الخدمات الحكومية الاساسية للمواطنين وبغير ذلك ستتحول الكويت إلى حالة أقرب ما تكون إلى اليونان أو إيطاليا أو إسبانيا من حيث تعثر النظامين السياسي والاقتصادي
تواجه الكويت تحديات حقيقية فرضها انخفاض أسعار النفط إلى مستويات لا تجعل الحكومة قادرة على الاستمرار بالمستوى الحالي من الصرف.
لكن هذه الأزمة المالية الحقيقية يجب أن تعالج وفق منظور شامل يتم فيه توزيع الأعباء على الجميع من دون تفرقة , وهذا يتطلب أن تعلن الحكومة صراحة بأن خفض الإنفاق سيطال كل أبواب الميزانية بالقدر الذي لا يؤدي إلى معاناة للمواطنين وأيضا بالقدر الذي لا يضر القطاع الخاص .
ما يحصل من تأجيج ضد شريحة الموظفين في الدولة , وأيضا ما يحصل من تأجيج ضد القطاع الخاص لن يوصل إلى نتيجة فالكويت لا تحتمل أن تواجه مأزقا كإنخفاض مواردها المالية بهذه الطريقة فمثل هذا السجال العقيم سيعمق من الأزمة ويربك صناع القرار .
وفيما يلي بعض النقاط التي يفترض أن يتم حسمها قبل الإتيان بالحلول :
- الهدر في الميزانية العامة حقيقي وتوثقه تقارير ديوان المحاسبة وتقارير لجنة الموازنة والحساب الختامي في مجلس الأمة .
- مسؤولية القضاء على هذا الهدر تقع على كاهل الحكومة , والمطلوب ثورة تصحيحية داخل الجهاز الحكومي لقصر الإنفاق على الرواتب من دون أن يتم استنزاف المال العام بأموال تنفق على لجان وفرق عمل كثيرة وضخمة يقول عنها ديوان المحاسبة في تقاريره أن بعض ما يصرف من أجلها من أموال مخالف للقانون وينتهك حرمة المال العام .
- تفاوت الرواتب بين القطاعات الحكومية المختلفة بما فيها القطاع النفطي وغيره من القطاعات الأخرى أمر تسبب في تضخم رواتب بعض الجهات على حساب جهات أخرى , والمطلوب معالجة ذلك بنظام جديد يتم فيه العدالة بين الموظفين على أساس طبيعة المهن وليس على أساس جهة العمل .
- تسعير المناقصات والسلع والخدمات في نظام المناقصات الحكومية يجب أن يتم بطريقة تحفظ المال العام بحيث تكون الأسعار عادلة ولا تكلف الميزانية أكثر من طاقتها , وفي الوقت نفسه تحقق الربح المعقول للقطاع الخاص .
- الإدارة الحكومية وخصوص القيادات فيها يجب أن يتم اختيارها وفقا لمعايير الكفاءة فبغير ذلك ستبقى القيادات الحكومية ضعيفة وغير مؤهلة ومترددة في اتخاذ القرار الإصلاحي وستكون عبئا على صانع القرار ومعيقا لأي إصلاح , وهو للأسف جزء من الوضع الحالي بإعتراف رئيس الحكومة الحالي .
- الخدمات والسلع الحكومية كالكهرباء والماء والوقود يجب أن يتم دفع ثمنها كاملا من قبل الشركات التي تحقق أرباحا طائلة , فالدعم الحكومي المفترض للقطاع الصناعي يتم حاليا عبر منح القسائم الصناعية بصيغة التأجير, والتي يجب رفع اسعار تأجيرها , أما غير ذلك فيعتبر تضييعا للمال العام وتضخيما لأرباح هذه الشركات .
- يجب ألا يتم تعريض المواطنين , وخصوصا ذوي الدخل المحدود , لأي تكاليف قد ترهق دخلهم المحدود ليس فقط لكونهم لا يحتملون ذلك بل لأنهم كطبقة وسطى يعتبرون قوة شرائية محركة للاقتصاد وأي تكاليف زائدة عليه يعني تدريجيا القضاء على قطاعات ناشئة صناعية وخدماتية في الاقتصاد الكويتي .
- يجب اتخاذ قرار حاسم فيما يتعلق بتعديل التركيبة السكانية فأعداد الوافدين الضخمة تكلف الدولة الكثير من الأموال والتي تستنزف في إنشاء وصيانة المرافق والخدمات العامة , والمطلوب قصر وجود العمالة في الكويت على المنتج منها .
ما حصل من إختراق لحساب القيادي في الحركة الدستورية الإسلامية ( حدس) المحامي محمد الدلال وكتابة تغريدة يبدي فيها ترحيبه بدعوة أطلقها المحامي جاسر الجدعي المقرب من حركة العمل الشعبي ( حشد) وهي تغريدة لايكتبها إلا سياسي محنك ، كل ما حصل دليل على قلق لدى أطراف فاسدة من مشاركة الحركة الدستورية بالإنتخابات .
ويبدو واضحا جدا أن هناك من يريد جر النقاش مبكرا لموضوع مشاركة أو مقاطعة الحركة الدستورية للإنتخابات قبل توفر أجواء ملائمة لينتهي الأمر بالرفض ، لهذا مطلوب من القوى السياسية المقاطعة خصوصا #حدس و #حشد الإنتباه إلى هذا القلق الذي يستبد ببعض الأطراف من إحتمال مشاركة المعارضة في إنتخابات 2017 وإلى محاولاتهم لتخريب ذلك .
للأسف ورغم وجود رأي شعبي قوي يدعو للمشاركة خصوصا ممن قاطع الإنتخابات الماضية تتعامل حدس و حشد بسذاجة مع الموضوع وكأنما المسألة تتعلق بأحوال الطقس وليس بعمل سياسي رصين ، ولهذا تستغل القوى الفاسدة القلقة من مشاركة المقاطعين بالإنتخابات هذه السذاجة وتتفنن بالتلاعب في خلق رمال متحركة وهمية للأسف لم تستطع حدس و حشد تجاوزها .
يقولون 'نترك الوضع السيء للسيئيين ' و' المقاطعة أوجب ' وأقول هذا هروب من تحمل المسؤولية فالفساد يواجه بالأفعال لا بالعبارات المنمقة.
نقدر من يدعو للمقاطعة مرة ثالثة ونثق أن دعوته تصدر من قلب محب للكويت ولكن ولنكن صرحاء هناك من القوى والشخصيات السياسية من يفكر في وقت الأزمات بتفكير إنتخابي بحت وأمثال هؤلاء لا يستحقون شرف الخدمة العامة .
لهذا ندعو حدس و حشد ،وهما من القوى الوطنية التي تحتاجها الكويت دوما ، إلى أن تتقبل خسارة معركة سياسية وتبدأ من جديد ، فهذا خير من أن تبحثا عن مخارج لهزيمة سياسية فُرضت عليهما أو حصلت بسببهما .
إنتخابات 2017 ستشهد مشاركة واسعة سياسيا وشعبيا، والإعلان المبكر عن المشاركة فيها سيحقق مكاسب شعبية لمن يبادر على عكس ما يظن البعض،لهذا نتمنى ألا يطول صمت حدس و حشد فالصمت قد يكون حكمة لكنه قد يكون أيضا،وخصوصا في أوقات الأزمات،سذاجة وقلة حيلة .
ما جاء في لقاء سمو الامير مع رؤساء تحرير الصحف المحلية حول التوجه نحو رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء أمر لابد منه بعد إنخفاض أسعار النفط ، والكويتيون يرحبون ببذل أي جهد يجنب الكويت كل هذه المخاطر الإقتصادية .
ولكن وفي الوقت نفسه تبعات الوضع الإقتصادي الحالي لن تستطيع شرائح من الشعب الكويتي تحملها فهي وفي وضعها الحالي لا تكاد تتحمل القدرة على العيش الكريم في ظل إرتفاع الأسعار الجنوني خصوصا في تأجير العقارات وفي سعر العقارات نفسها ما يجعل معظم دخل هذه الشرائح يذهب فقط لتأجير المنزل ولمواجهة المصاريف المعيشية الرئيسية .
هذه الشرائح لا تستطيع مواجهة هذا العبء الإقتصادي في الوضع العادي فما بالك إذا واجهت ظرفا خاصا تمثل في فقدان المعيل أو تعرض رب الأسرة لأي ظرف إقتصادي خانق ، وما بالك أيضا إذا ما تم رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء وتم خفض الدعم الحكومي .
نحن هنا نتكلم عن واقع مرير يعانيه مئات الآلاف من الكويتيين الذين لا يستطيعون مواجهة أعباء الحياة رغم الدعم الحكومي بسبب الإرتفاع الفاحش لأسعار العقار شراء وتأجيرا وبسبب غلاء المعيشة الناتج عن جشع بعض التجار وعن عدم قدرة الأجهزة الحكومية على ضبط الأسعار .
وهنا يبرز التحدي الحقيقي أمام الحكومة لكي تترجم توجيهات سمو الأمير بحيث يتم ترشيد الإنفاق من دون أن يمس هذه الشرائح .
والحلول متعددة وسبق طرحها ومنها أن يتم رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء على الشركات الكبرى التي تحقق أرباحا طائلة ولا تدفع أي ضرائب فكيف يمكن شمول هذه الشركات بالدعم الحكومي رغم قدرتها على دفع الأسعار الحقيقية للوقود والكهرباء والماء .
وفي المرحلة الثانية يتم الإنتقال لشريحة الوافدين الضخمة والتي تشكل ما نسبته 70% من سكان الكويت فعلى هؤلاء وعبر الشركات التي توظفهم دفع الكلفة الحقيقية للخدمات الحكومية كالوقود والكهرباء والماء وهذا هو التحدي الحقيقي للتخلص من هدر المال العام وللتخلص أيضا من تجارة الإقامة والتي تزدهر في ظل تمتع الوافدين بالدعوم الحكومية .
ويمكن هنا تخفيف أثر ذلك على شريحة الوافدين بالتطبيق التدريجي لسياسة رفع الدعم ، وعبر تطوير وسائل النقل العام لتكون بديلا مناسبا يجنبهم دفع ثمن الوقود غير المدعوم .
ولا شك أن خفض نسبة الوافدين في التركيبة السكانية سيكون تحديا حقيقيا من أجل أن نقلل من كلفة الخدمات التي تقدم لهؤلاء فمن غير المعقول على سبيل المثال أن يصل عدد جالية واحدة إلى نحو 800 ألف نسمة فهو عدد ضخم ويكلف الدولة ملايين الدنانير من الدعم المقدم في أسعار الوقود والكهرباء والماء فضلا عن الخدمات العامة الأخرى .
سمو الأمير طرح الأطر العامة لمواجهة سيناريو إنخفاض أسعار النفط منذ زمن وفي خطب عديدة ولكن الحكومات ومجالس الأمة المتعاقبة لم تكن على مستوى التحديات لهذا حان الوقت لإتخاذ إجراءات صارمة تضمن أن يتم توجيه الدعم الحكومي لمستحقيه من المواطنين الكويتيين بدلا من ضياعه ليكون مجرد عامل من عوامل زيادة أرباح الشركات الكبرى أو كلفة تدفع مجانا لعمالة وافدة يفترض أن يتحمل القطاع الذي تعمل فيه كلفة الخدمات العامة التي تتمتع بها .