46 سنة مرت بين التشكيلة الوزارية الأولى 1963 (أعلى) والتشكيلة الوزارية الأخيرة 2009
ربما هذه المرة الأولى في تاريخ الكويت السياسي التي لا يهتم فيها الكويتيون بتشكيل الحكومة ليس لأنهم إبتعدوا عن الشأن العام بل وببساطة لأنهم يقرأون الكتاب من عنوانه كما يقال ,ولأنهم وجدوا أنفسهم بين سندان الدولة الدستورية التي تتيح لأي شعب أن يحكم من رئيس وزراء يحظى بحد أدنى من القبول الشعبي وبين مطرقة الدولة العشائرية التي تتم فيها الأمور وفقا لصلة الدم .
ما العمل ؟ وكيف الخروج من هذه الدوامة التي توقع كثيرون ومنذ زمن إنحباس الكويت فيها ؟ هل يكفي أن يتم التحرك لتغيير رئيس الوزراء المكلف ؟ أم أن الأمر يتطلب بدء حملة شعبية طويلة تهدف إلى إقرار حزمة من التشريعات التي تحقق في النهاية مشروع الدولة الذي وضع بداياته الآباء المؤسسين ؟
المشكلة الأهم أن مجلس الأمة في الكويت أصبح مجلسا للتصديق لا التشريع والرقابة فالمجلس لا يجتمع الا نادرا وعطلاته وتعطيله أصبحتا السمتان الغالبتان ,ومع ذلك فهناك من يروج لنظرية تعطيل المجلس تدريجيا عبر إجراءات خارج إطار الدستور ومن ضمنها فضيحة تعطيل مجلس الأمة بمدة تتجاوز الحق الدستوري المقرر لسمو الأمير بتأجيل عقد الجلسات وفقا للمادة 106 من الدستور .
عمليا يستطيع رئيس الوزراء المكلف تقديم ألف تشكيلة وزارية إذا كانت المسألة تتعلق بالأسماء أما تقديم تشكيلة وزارية قابلة للحياة فهذا أمر مشكوك فيه حاليا , وإن تم فهي حياة كالمرض السريري الذي يقعد الإنسان ولا يجعله قادرا على قضاء حتى مجرد حاجاته البسيطة فما بالك بمهمة إدارة بلد بأكمله .
هل نتجنى بذلك على رئيس الوزراء ؟ وهل نضع بمثل هذا الحديث العصا في الدولاب كما يقال ؟ وهل نضر الكويت برسم هذه الصورة الرمادية القاتمة عن الأوضاع المحلية ؟ .
هذه أسئلة مشروعه ولكن تقابلها أيضا أسئلة مشروعه الأخرى توجه للاسرة الحاكمة ,وللقوى المتمصلحة منها , وللسياسيين المستقلين الذين يريدون الإستمرار في الواجهة السياسية بأي ثمن .
لماذا لا يتم تغيير الدستور الكويتي فيتم إختيار رئيس الوزراء بشكل ملزم من التيار السياسي أو التحالف السياسي الذي يفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية أي الذي يحوز على ثقة الشعب ؟ فنفتح المجال بذلك ليكون منصب رئيس الوزراء خارج إطار المحاصصات التي تهلك حاليا تضامن المجتمع الكويتي وفي الوقت نفسه يبقى هذا الرئيس ملتزما وفقا للدستور بالنهج الذي يضعه حضرة صاحب السمو الأمير بصفته رئيسا للدولة .
ولماذا لا يكون لدينا قانون ينظم الحياة السياسية فيتيح العمل السياسي الجمعي لا الفردي ؟ وينظم عملية الصراع السياسي بحيث يوجه الصراع في النهاية إلى خدمة الكويت لا أن يصبح وسيلة محمومة لتحقيق المكاسب الشخصية والمصلحية والمذهبية والقبلية ؟
من تسبب في هذا الشلل السياسي الذي نعيشه ليس فقط اعداء الديمقراطية والذين قرر بعضهم محاربتها بدهاء ومن الداخل , ولكن أيضا يتحمل مسؤولية حصول هذا الشلل السياسيين والنواب المخضرمين والذين وطوال سنوات وحتى حين حانت الفرصة الذهبية قبل أشهر بعيد إندلاع ثورات البوعزيزي عربيا, لم يوجدوا تحالفا وطنيا من النواب والقوى السياسية والمدنية يقوم بفرض القوانين الإصلاحية.
لا أحد يريد الحديث عن القضايا الكبرى ...حسنا ليحارب كل منا طاحونة هواء تماما كالدون كيشوت أو كيخوت في القصة الشهيرة ,وليظهر الجميع بصورة الأبطال شيوخا ونوابا وسياسيين ولتبقى الكويت أسيرة للأزمات السياسية المصطنعة .