الحريات العامة خط أحمر حقيقي لا يجوز لسلطة أو لشعب أن يتعرضوا لها بالتضييق تحت أي مسمى كان سواء الحفاظ على الوحدة الوطنية أو الأمن الوطني أو العادات والتقاليد .
وطالما تصدينا علنا لمن أراد المس بها وكانت لنا بيانات صغناها حين كنا في نقابة الصحافيين والمراسلين ضد أي تعرض من السلطة وخصوصا جهاز أمن الدولة للصحافيين والكتاب والسياسيين .
حينذاك كانت الأمور واضحه فلا غموض فمن يكتب الآراء المنطقية أو المتطرفة كان معروفا بالأسم وكان حق التقاضي مكفولا رغم أنه كان مطلقا إلى درجة مضايقة أصحاب الرأي .
ولكن وبعد الإنتشار لإستخدام شبكة الأنترنت بدأت إشكالية عدم معرفة من يقف وراء بعض الآراء المتطرفة القاسية أولا ثم لاحقا الدعوات العنصرية والهابطة فحرم المحاور العادي من معرفة طبيعة من يهاجمه ولاحقا أيضا أصبحت عملية الكتابة في شبكة الأنترنت وسيلة للإنتقام الوضيع .
لم يكن يعني هذا أن الصحافة المطبوعة كانت ملائكية الطابع بل على العكس فقد إبتليت الكويت بنمط عدائي وحقود من الأخبار والمقالات إستوردت من الخارج عبر مجموعة من الصحافيين اللبنانيين والشوام عموما حول الصحافة المطبوعة في الكويت من وسيلة للإخبار إلى مجرد "زعران" و"فتوات " ولكن على شكل مانشيتات .
وربما يسمح الوقت لاحقا بإصدار كتاب عن ذلك يسمي الصحف وملاكها وهؤلاء الصحافيين بأسماءهم .
النشر في شبكة الأنترنت تطور مع تطور الإستخدامات فانتشرت الشبكات الإجتماعية التي جاءت بصحافة المواطن وهي نوع جديد من الصحافة يكون فيها المواطن أو المستخدم العادي للأنترنت صحافيا ناقلا للأخبار ولكن من دون تدقيق .
عدم تطور التنظيمات ولا أقول التشريعات أوجد ثغرة واسعة لإستغلال هذا النوع من الصحافة وهذا النوع من التقنيات وهي الثغرة التي خفف من حدتها كثيرا ظهور الصحف الإلكترونية المنضبطة في الكويت من حيث المحتوى كجريدة ((الآن)) الإلكترونية وقبلها جريدة إيلاف اللندنية .
كل ذلك كان قابلا للضبط رغم وجود الأسماء الغامضة في المدونات والمنتديات فعمليا تم الحكم على مدون بإسم وهمي بالسجن ثلاث سنوات لإساءته للذات الاميرية في الكويت وفقا لقانون الجزاء ووفقا وهذا هو الأهم لإعترافه , ونقول الضبط لأننا لو تخيلنا أن البعض يستطيع الإساءة للمقام السامي لسمو الأمير وذاته مصونه دستوريا من دون منعه من ذلك لعمت الفوضى الكويت .
ظهور الصحف الجديدة في الكويت ما بعد العام 2006 لم يؤثر على أهمية وتأثير الشبكات الإجتماعية وخصوصا الفيسبوك ولاحقا تويتر ولا وشبكات التراسل الهاتفي كخدمة محادثة البلاك بيري وخدمة الواتس أب والأسباب متعدده :
1) شعور القراء بأن الصحف في الكويت لا تقول كل الحقيقة
2) تزايد المعارك الجانبية بين ملاك الصحف بما أثر على مهنية الصحافة الكويتية
3) عدم قدرة الصحف القديمة على التحول السريع والمناسب لتكون وسائل إعلام متجددة أي وسط بين الإعلام القديم والإعلام الجديد
4) عدم قدرة الصحف القديمة على مواكبة إحتياجات الأفراد لنوع محدد من الأخبار والترفيه والتواصل كما هو هو الحال بما عرف بصحافة البرود كاست .
وفي ظل هذه التحولات وفي ظل القرار الساذج والكارثي للصحف الكويتية بمنع نشر تصاريح نواب المعارضة النيابية بعد أحداث ديوان النائب جمعان الحربش 8 ديسمبر 2010 أتجه هؤلاء النواب وعشرات الآلاف من المتصفحين إلى موقع تويتر ليتحول هذا الموقع إلى بديل حقيقي للصحافة المطبوعة والتي كانت بالأصل مثخنة من الجراح المتعددة التي أحدثتها الصحف الإلكترونية فيها منذ العام 2007 إلى درجة أنه أصبح من المعروف أن بعض المحررين في الصحف المطبوعة ينقل معظم أخباره من الصحف الإلكترونية وخصوصا جريدة ((الآن)) الإلكترونية .
لكن هذا الإنتشار الواسع والضخم والذي كان بمثابة تصويتا عفويا في الكويت ضد الصحافة المطبوعة والقديمة والتقليدية والإنتهازية والعائلية لم يسلم من بعض الأذى فبعض ملاك هذه الصحف يحاول جاهدا إختراق موقع تويتر عبر خلق مدونين معينين يتم تبنيهم والترويج لهم والإعلان عنهم وتسجيل حسابات جديدة بشكل يومي تتابعهم عبر فريق متخصص ليتم إستغلالهم لاحقا لتحقيق الأهداف نفسها التي كانت تتم عبر الصحف المطبوعة ومنها :
1) مهاجمة الخصوم السياسيين بوضاعة.
2) التشكيك في بعض القرارات الحكومية التي لا تصب في صالحهم.
3) محاولة منع إتمام المناقصات التي قد ترسي أو بالفعل رست على غيرهم.
4) إستغلال هذه الحسابات لتنفيس الحقد الشخصي لهؤلاء الملاك على شخصيات عصامية أن أن تملك تأثيرا سياسيا وإعلاميا بإمكانات بسيطة بفضل تميزهم وبفضل التكنولوجيا الحديثة التي هدمت أصنام الإعلام التقليدي في كل مكان .
إذن هناك إستخدام سيء ومشبوه لبعض الحسابات في موقع تويتر وهو أمر أجتهد القضاء في معالجته عبر محاكمة المدون مبارك البذالي والمدون ناصر أبل وهو إجتهاد لم يتحول إلى مبدأ قضائي بعد قد نختلف معه وقد نتفق ولكنه بالفعل أوجد نوعا من الضبط لمن يتطرف في هذا الموقع .
ولكن الأمر المسكوت عنه تمثل في وجود مدونين لا تعرف ماهيتهم يقومون بالتدوين بإسم وهمي أو بإسم وهمي لشخصيات تمثل رؤساء دول ويتدخلون بشكل صريح بالشأن الداخلي الكويتي ويتحولون تدريجيا إلى قوة مؤثرة قادرة على إحداث البلبلة , وهنا لا نتحدث بلغة السلطة الأمنية إنما نتحدث بمعايير الشفافية الدولية التي يفترض أنها تتيح قدرا من الشفافية يتيح للقراء وللكتاب وللسياسيين معرفة الشخصية التي تنتقده على وجه التحديد .
ولهذا كان من الضروري على الجهات المسؤولة عن تقنيات الأنترنت في الكويت ونعني الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات وجامعة الكويت وضع نظام تقني يتيح معرفة المدونين الذين يتعرضون للشأن المحلي بشكل مستمر ويتم الإحتفاظ بمعلوماتهم بشكل سري بعيدا عن أي جهاز أمني ولو كان جهاز أمن الدولة على أن يتم الكشف عن هويات هؤلاء المدونين للجهات القضائية إذا ما تضرر طرف ما وتقدم بدعوى قضائية .
إذن نحن هنا لا نعني عشرات الألوف من المدونين والمدونات الذين يدونون بأسماءهم الوهمية لظروف معينة ويكتفون بنقاشات سياسية لا تتضمن تعديا قانونيا على الآخرين إنما نقصد من يستغل هذه الأسماء الوهمية في الإساءة لكرامات الناس بشكل غير قانوني .
في فترات سابقة كان هناك تحسس شديد من الصحافيين والمدونين والسياسيين على أي إجراء يتخذ بحق أي مدون وكان هناك شعور بأن السلطة تحاول تحجيم وسائل الإعلام الجديد وهو شعور كان صادقا إلى حد بعيد , ولكن اليوم وفي ظل قيام البعض بتحويل موقع تويتر إلى وسيلة لشتم الناس والإساءة إلى كراماتهم وبأسماء وهمية كان لابد من تنظيم هذه الوسيلة مع ملاحظة أن السلطة التنفيذية تستغل هذا الفراغ التنظيمي ولا أقول التشريعي لتتصرف بما تشاء وملاحظة أن القضاء لن يوقفه عدم وجود قانون خاص لتنظيم النشر الإلكتروني حيث بدأ بعض القضاة بإستحداث مباديء جديدة للتعامل مع هذا الوضع .
أدعو هنا المهتمين بقضايا الحريات العامة إلى عقد إجتماع موسع لبحث الموضوع بهدوء ووضع تصورات منطقية:
1) تمنع تحول إستخدام موقع تويتر وغيره من الشبكات الإجتماعية بصورة تنفر المتصفحين من وسائل الإعلام الجديد وبالتالي تدفعهم للعودة للصحافة المطبوعة الإنتهازية.
2) تقطع الطريق على أي محاولات للسلطة لإستغلال هذه الإساءات لخنق وسائل الإعلام الجديدة ومنع المواطنين من إستغلالها بشكل يجعلهم قادرين كمواطنين على التصدي لمظاهر الفساد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق