في الجزء الأول من هذه المقالةhttp://kkuwait.blogspot.com/2011/09/1-2.html أوضحنا بعض الحقائق والتوضيحات المتعلقة بمفهوم الإمارة الدستورية, وبينا أن هناك أكثر من فهم لهذا المصطلح في الكويت لكن أيا منها لم يقل صراحة أن مطالبه تصل إلى حد جعل الأسرة الحاكمة في الكويت تملك ولا تحكم كما في بريطانيا ربما لأن الإرث التاريخي للأسرة الحاكمة في الكويت لا ينفصل عن الإرث الشعبي فالأحداث واحدة والمعاناة واحدة والمصير واحد رغم شعور عام لدى المشتغلين بالعمل السياسي بأن الأسرة الحاكمة تأخرت كثير في المبادرة في إصلاح النظام السياسي الحالي .
وبينا كذلك أن الدستور الكويتي الحالي لا يمنع تعيين رئيس وزراء من غير أفراد الأسرة الحاكمة فالأمر يخضع لتقدير سمو الأمير وتغيير ذلك يتطلب عقد إجتماعي جديد .
المطلب الرئيسي الذي يعتقد من يطالب به أنه يحقق مفهوم الإمارة الدستورية وهو مسألة تعيين رئيس الوزراء وإقالته من قبل الشعب وفق ما جاء في بيان شباب 16 سبتمبر ,هذا المطلب يحققه الدستور الحالي بطريقة غير مباشرة فسمو الأمير وحين يعين رئيس الوزراء وفق المادة 56 من الدستور يتطلب الأمر تأدية رئيس الوزراء للقسم الدستوري وهنا يستطيع مجلس الأمة بأغلبيته رفض رئيس الوزراء عبر الإنسحاب من جلسة القسم الدستوري لمنع الحكومة من الحصول على السند الدستوري لممارسة أعمالها كما حصل في أزمة حكومة ديسمبر 1964 حين لم تتمكن الحكومة ورئيسها آنذاك المرحوم الشيخ جابر الأحمد ليس فقط من أداء القسم الدستوري بل منعت حتى من مجرد الحديث في الجلسة الإفتتاحية بسبب إعتراضات النواب على توزير من يمارسون العمل التجاري وبالطبع كان ذلك الوجه الظاهر لما قيل أنه صراع حقيقي بين الشيوخ أنفسهم .
الوسيلة الأخرى لرفض رئيس الوزراء تتطلب جهدا أكبر وتبدأ بإستجواب رئيس الوزراء ثم التصويت على رفع كتاب عدم التعاون معه للأمير وفي حال قرر الامير حل المجلس والإبقاء على رئيس الوزراء يستطيع مجلس الامة بأغلبية أعضائه وفقا للمادة 102 من الدستور عدم التعاون مع رئيس الوزراء وفي هذه الحالة يتم عزل رئيس الوزراء .
إذن النظام السياسي ,وهي صيغة صمدت إلى اليوم رغم سقوط كثير الجمهوريات والممالك والدول في مراحل تاريخية مهلكة ومن هنا وجب الحذر من أي تغيير هيكلي لم يتم الاعداد له جيدا بصيغ قد لا تحققه كاملا لكنها تحقق مضامينه وفق الممارسة لا النصوص القطعية .
اليوم الكويتيون أمام خيارات عدة ولابد من حسم الأمور ومن هذه الخيارات :
- إستمرار الوضع الحالي من دون تعديلات دستورية والإكتفاء بتشريع قوانين محدودة وهو خيار يزيد من عمق الأزمة السياسية .
- إصلاح النظام السياسي عبر تعديلات دستورية وتشريع قوانين إصلاحية تعيد تثبيت التوازن في النظام السياسي الكويتي وهو خيار منطقي ومعقول ولا يتضمن دفع أي كلفة سياسية أو مجتمعية أو أمنية .
- إنشاء نظام سياسي جديد يحول الكويت إلى ملكية دستورية على نمط المملكة المتحدة (بريطانيا) وهو خيار لا تؤيده الأغلبية الشعبية وإن كان يجد صدى لدى بعض المنتمين للنخب السياسية وهو خيار بني على فشل الحكومات التي يقودها الشيوخ وفشل مجالس الامة في تحقيق الإستقرار السياسي والإزدهار الإقتصادي ,وهو خيار مرهق ومكلف للسلطة وللشعب .
التطور الطبيعي للأمور وفقا للدستور الكويتي يشجع على توزير أعضاء مجلس الأمة فالمادة 56 في فقرتها الثانية تبين ""ويكون تعيين الوزراء من اعضاء مجلس الامة ومن غيرهم"" أي أن تعيين الوزراء يكون من أعضاء مجلس الأمة وغيرهم ,وهذا بإعتقادي أحد أهم الأساليب التي من الممكن من خلالها خلق حكومة غالبيتها من المنتخبين تمهيدا للوصول إلى مرحلة الحكومة شبه المنتخبة .
وهذا الأمر يتطلب توافق شعبي ويتطلب أيضا خلق بيئة سياسية تحول العمل السياسي من فردي ومستقل إلى جماعي ومنظم وذلك عبر قانون ينظم العمل السياسي والإنتخابات بحيث تكون هناك كتلة سياسية تقوم بالتنسيق مع رئيس الوزراء الذي يختاره سمو الأمير لتشكيل الحكومة .
وكي يستكمل الأساس الديمقراطي للحكومة شبه المنتخبة يجب تغيير المادة 98 من الدستور بحيث لا تعمل أي حكومة من دون حصول برنامج عملها على ثقة أغلبية أعضاء البرلمان ,وهو تعديل دستوري سبق أن طالب به كثيرون وسبق أن أعلن عنه العضو في الحكومة الحالية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء علي الراشد حين كان نائبا ,وسبق أيضا لأحد أهم الكتل المعارضة أن طالبت به وهي كتلة التنمية والإصلاح التي قام أحد أعضائها وهو النائب فيصل المسلم بأول إستجواب لرئيس الوزراء .
الكويت برأيي إمارة دستورية لا يتولى ولي الأمير مقاليد الحكم فيها قبل أن يبايعه مجلس الأمة وفقا للدستور وذلك حين ينادى به قبل ذلك وليا للعهد كما يبايع مباشرة إذا ما أعلن مجلس الوزراء عن خلو مسند الإمارة كما حصل في قضية إنتقال الحكم العام 2006 حينما خلا مسند الإمارة ومنصب ولي العهد .
هناك آراء مختلفة في هذا الشأن ويجب ألا يقصى أي رأي , ومن يمارس الإقصاء والتخوين للطرف الآخر فأنه ينتهك بذلك أحد أهم مباديء الديمقراطية ولهذا يجب أن نركز جهودنا على تحويل الكويت إلى دولة مؤسسات حقيقية عبر تعديلات دستورية تشجع على جعل الحكومة تضم وزراء منتخبين وتفرض حصول أي حكومة على الثقة البرلمانية قبل عملها .
نعم القفز في الهواء يعبر عن إرادة حرة ترغب في تغيير الأمور إلى الأفضل ولكن وبدلا من القفز المنفرد الذي قد يوصل للهدف وقد يقبر الفكرة برمتها هناك خطوات ثابتة وراسخة قد تصل بنا إلى الهدف نفسه بتوافق جماعي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق