مات رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق جاسم محمد الخرافي فرثاه الخصوم والأصدقاء معا ليس فقط لأن الكويتيين يتسامون فوق الخلافات دوما حين يحضر الموت بل أيضا لأن الرجل يتمتع بحسن خلق وأدب جم ولسان عفيف وشخصية هادئة لم يجرفها الخلاف السياسي لأبعد من ذلك .
أربعون سنة من العمل السياسي بدأها جاسم الخرافي نائبا في مجلس الأمة العام 1975 وتنقل فيها في مناصب برلمانية عدة إلى أن أصبح وزيرا للمالية العام 1985 ثم عاد نائبا مرة أخرى العام 1996 ليخسر معركة رئاسة مجلس الأمة أمام خصمه اللدود الرئيس أحمد السعدون بفارق صوت وعبر حكم للمحكمة الدستورية .
وفي العام 1999 عاد جاسم الخرافي إلى مجلس الأمة ولكن هذه المرة رئيسا أستمر في منصبه لخمسة فصول تشريعية فاز فيها بالإنتخاب مرات وبالتزكية مرات أخرى وظل طوال هذه المدة واحدا من أهم وأبرز السياسيين في الكويت ،ولاعبا رئيسيا في الأحداث الكبرى رغم أنه ووجه بمعارضة سياسية ذكية وشرسة تحظى بتأييد شعبي لم تفوت له أي هفوة .
ويذكر الكويتيون الدور الكبير الذي قام به جاسم الخرافي خلال أزمة إنتقال الحكم العام 2006 عندما إستطاع أن يقود مجلس الأمة موالاة ومعارضة ليمارس ، المجلس، صلاحياته الدستورية ليكون إنتقال الحكم سلسا ومن دون أن تتعرض الكويت لأي أزمات أو قلاقل .
تختلف فيه الآراء فهناك من يراه ' الإطفائي' الذي إستطاع بشخصيته المرنة وبعلاقته المميزة بسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حل كثيرا من الأزمات الدستورية قبل أن تؤدي إلى حل مجلس الأمة وربما لتعطيل الحياة النيابية .
وفي المقابل هناك من يراه جزءا رئيسيا من الأزمة السياسية في الكويت ، ومع ذلك إستطاع الرجل أن يقود مجلس الأمة موالاة ومعارضة بنجاح نسبي وفي ظل سنوات حرجة في تاريخ الكويت السياسي الحديث .
وفي هذا الإطار يسجل لجاسم الخرافي أنه أول من نادى علنا وفي خطابه كرئيس مجلس الأمة العام 2004 بإنشاء الأحزاب في الكويت كونها الإطار السليم للعمل السياسي .
ولجاسم الخرافي علاقة مميزة بالصحافيين بشكل عام وبالمحررين البرلمانيين بشكل خاص فطوال خمس سنوات عملتها كمحرر برلماني لصالح جريدة الراي شاهدت وبشكل يومي كيف كان يتعامل مع الصحافة وكيف يتفادى رمالها المتحركة وكيف كان يحترم من كان ينتقده بقسوة ، وكنت من ضمنهم، ويستقطع من وقته الكثير ليشرح لهم وجهة نظره .
وأذكر وبعد إنتقادي له في مدونتي لعرض أربعة إستجوابات برلمانية دفعة واحدة في مجلس 1999 أنه أتصل بي بعدها بيومين وظل لساعتين يشرح لي أسباب ذلك وحين سألته لماذا تهتم بأن تشرح ذلك لي رغم أنك تمون على معظم الصحف ذكر -رحمه الله - أنه يريد أن تصل الصورة حتى لقراء المدونات وليس فقط للإعلام التقليدي .
الفترة الأخيرة في حياة جاسم الخرافي كانت قاسية فالرجل تعرض لإتهامات بالخيانة الوطنية وقلب نظام الحكم ضمن ما يعرف بأزمة ' الشريط' وقد لاحظت خلال المناسبات العامة التي واجهته فيها أن هناك شحوبا بان على محياه خصوصا في بدايات الأزمة لكنه بدا مرتاحا لنهاية هذه الأزمة القاسية حين رُد إعتباره بالإعتذار الشخصي والعلني الذي قدمه الشيخ أحمد الفهد ، أحد أطراف الأزمة، له ولعائلته .
جاسم محمد الخرافي إسم سيظل حاضرا في التاريخ الكويتي الحديث وسيكون هذا التاريخ شاهدا له وعليه كحال كل البشر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق