أن يتعرض سجين الرأي والضمير الكاتب والمحامي محمد عبدالقادر الجاسم إلى سوء المعاملة منذ احتجازه فهذا أمر عادي ,وإن كنا ضد ذلك ,فمجتمعنا لا يزال مجتمعا شرقيا يتيح للبعض سلطات عديدة لا يحدها قانون ولا يردعها ضمير .
ولكن أن ينقل الجاسم إلى مبنى قصر العدل مع المتهمين بالإنتماء للشبكة الجاسوسية المشتبه بموالاتها للجمهورية الإسلامية في إيران فذلك إن كان متعمدا , فجور في الخصومة فكيف يتم الجمع بين من حذر ومنذ أشهر عديدة من هذه الشبكة في مقالات يحاكم عليها اليوم مع أفراد هذه الشبكة وكأنما الجاسم كما أفراد الشبكة الجاسوسية خطر على أمن الدولة .
ولكن كل ذلك لا يهم فالكويتيين الأحرار الذين صفقوا للجاسم حينما دخل إلى قاعة المحكمة , في سابقة , ومئات الألوف من الكويتيين خارج القاعه يعرفون تماما الفرق بين الرجل الوطني الذي لا تهزه الدسائس ولا "هرج القفا", وبين من يتهم بأنه باع نفسه للشيطان .
مؤسف جدا أن تستمر محاكمة الجاسم وفقا لقانون أمن الدولة الذي شرع للجواسيس والإنقلابيين لا وفقا لقانون المطبوعات والنشر ,إن كانت هناك ثمة إتهامات حقيقية , لهذا لا يزال هناك أمل كبير في أن تصدر المحكمة الحالية أو محكمة الإستئناف أو التمييز قرارا تاريخيا بعدم الإختصاص في هذه القضية .
الجاسم كان بحق نجم جلسة المحاكمة الثانية فالرجل محام متمرس وسياسي حقيقي ومفكر قانوني ماهر لهذا كانت مرافعته درسا قانونيا في الدفاع عن الشرعية الإجرائية التي رأى الجاسم أنها تنتهك في قضيته وهو الذي يتابع محليا ودوليا من قبل المدافعين عن حرية التعبير فكيف هو الحال مع سائر الناس الذين لا حول ولا قوة لهم.
وهكذا ورغم حاجته للدفاع عن نفسه وفي لحظات حرجة جدا نجده يترك كل ما هو خاص إلى ما هو عام ويفضل الحديث عن الهم الأكبر تاركا الوجع الآني , وهكذا دائما هم الرجال الرجال .
ولهذا كان الجاسم وفي اللحظة التي أقسم فيها بأنه لم يهتز للسجن أو لفراق أبنائه طالما كان مدافعا عن المظلومين وعن الشرعية الدستورية , كان في تلك اللحظة كما سيف الحق الذي شهر عاليا في زمن تساقطت فيه أقنعة وبيعت ضمائر وتلونت وجوه وتسولت أنفس وتقزمت هامات .
لولا قرار النشر الذي توسعت فيه وزارة الإعلام وأوهمت وسائل الإعلام والفضائيات أنه يتعلق بقضية الجاسم بشكل عام وليس فقط فيما يدور في محضر النيابة العامه وقاعة المحكمة لولا هذا القرار لتغيرت قناعات تشكك في موقف الجاسم , ولكشفت مواقف سياسية ونيابية أسعدها قرار المنع لانه يتيح هامشا أكبر من المناورة لإرضاء المعازيب من دون تسجيل موقف محدد استمرارا لمرض "انفلونزا الدجاج "التي أصابت التيارات والشخصيات السياسية مؤخرا .
الألم الذي ساد جلسة المحاكمة الأولى بسبب تعسف القوات الخاصة المرافقة للجاسم تحول إلى تقدير وثناء للقوات التي رافقت الجاسم أمس حيث كانت محل ثناء وتقدير من الجميع ما جعل الثقة تعود ولو بشكل جزئي لهذه القوات والتي لا يمكن أن نتصور أنها لا تفرق بين أعداء الكويت ممن يتهمون بالجاسوسية وبين من يحاكم وهو الرجل الوطني المخلص لدولته ولأميره وفق قانون أمن الدولة .
الجاسم شدد في دفاعه على أن مكانه الطبيعي خارج القفص لأنه لا يوجد قرار بحبسه بعد 31 مايو , كما سجل اعتراضات عديدة حول انتهاكات صارخة تمت بحقه من أبرزها تحديد موعد محاكمته قبل ليلة واحدة فقط من موعدها , وعلمه بها عبر سجين لا عبر الطرق التي حددها القانون , ومن دون استعداد فريق الدفاع , كما طلب تمكينه من الإطلاع على أوراق قضيته كي يستطيع الدفاع عن نفسه .
وبدا لافتا قول الجاسم أن قرار حبس النيابة كان قرارا سياسيا .
فريق الدفاع عن الجاسم بدأ متمكنا حينما طلب من المحكمة حضور مقدم البلاغ وزير الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد بصفته شاهد اثبات إلا أن المحكمة لم تستجب لذلك واكتفت بتلبية طلب فريق الدفاع حضور ضابط أمن الدولة الذي أعد تقرير الإتهام .
المحكمة طلبت ايضا عرض الجاسم على لجنة طبية للتأكد من حالته الصحية .
إذن بدات المحاكمة وفق قانون أمن الدولة لا قانون المطبوعات والنشر , وإلى الآن لم تأخذ المحكمة بطلبات فيرق الدفاع بإطلاق سراح الجاسم على اعتبار أن ذلك لا يشكل خطرا على المجتمع ولا يؤثر على وقائع القضية ومع ذلك هناك شعور شعبي ودولي يتنامى بأن هذه القضية سياسية بحته من الألف إلى الياء وهي بالفعل كذلك .
تأجيل القضية إلى 21 يونيو الحالي سيتيح مجالا آخرا لتنامي الرفض الشعبي والدولي لحجز حرية الجاسم على اعتبار أن هذا الحجز ليس سوى اقحام للنيابة العامة والقضاء في مسائل سياسية بحته .
يوم غد الأربعاء وأمام ديوان النائب مسلم البراك سيعقد اجتماع شعبي وسياسي وحقوقي حاشد لتوصيل رسالة مفادها أن إحترام النيابة العامة والقضاء لا يعني على الإطلاق عدم الدفاع عن الحريات العامة في زمن أغبر يطالب فيه الكويتيين بألا"يسيسون السياسة ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق