لو كان لدينا اعلاما مهنيا لكان لتأملات المفكر الدكتور عبدالله النفيسي في الحالة الكويتية صدى أوسع ولكن نبث لله حزننا من هذه الصحف والفضائيات التي لا تسمن ولا تغني من جوع , ونشكر جريدة الآن الإلكترونية التي نقلت هذه التأملات من ديوانية الوحدة الوطنية لدى الزميل سعد المعطش في منطقة الصليبيخات إلى العالم بأسره حيث تناقلتها بمهنية صحيفة كويتية هي القبس , وإن كان النقل جزئيا , ومواقع الكترونية ومدونات ومنتديات وصفحات في موقع الفيسبوك وموقع التويتير داخل وخارج الكويت.
تناقلها العالم بأسره رغم تجاهل صحفنا وفضائياتنا المحلية فلتمت بحسرتها ولتواصل عملية غسل الأدمغة لصالح شيوخ ومتنفذين وتيارات سياسية باعت الجمل بما حمل فتدفق الأخبار لم يعد حصرا على عائلة أو تيار فوسائل الإعلام الجديدة تسيدت الموقف في العالم بأسره .
في هذه الندوة وردا على تشاؤم المفكر النفيسي بينت في مداخلة أن الدستور الكويتي يعتبر متقدم جدا ولا يزال صالحا لتكوين مشروع الدولة الذي بدأ في زمن الشيخ عبدالله السالم بدليل أن أمير الكويت ووفقا للدستور يستطيع أن يعين أي مواطن نائبا للأمير في حالة غيابه عن البلاد و تعذر تعيين ولي العهد نائبا للأمير وفي ذلك دلالة على مدى ثقة الشعب في أسرة الحكم ومدى ثقة أسره الحكم في الشعب .
ولهذا طلبت من المفكر النفيسي ألا يفرط في التشاؤم من الشعب الكويتي فالأوضاع تغيرت كثيرا عن العام 1989حين اعتقل وسط 700 شخص خلال دواوين الإثنين من دون أن يحرك أحدا ساكنا فالكويت اليوم تضم شبابا وطنيا يتشوق للدفاع عن تراب بلده وعن دستوره وعن حريته أسوة بالآباء المؤسسين وبأجداد هذا الشعب المنتمي لجزيرة العرب الذين أخضعوا امبراطوريات الروم والفرس وبلاد ما وراء النهر.
هذا الطلب إستحسنه المفكر النفيسي وبدأ أنه سُعد به خصوصا حينما أكد على ذلك مجموعه تالية من المتحدثين .
النفيسي مر كجراح ماهر على الجسد الكويتي , وشخّص العلل ولا عجب فهو السياسي الأكاديمي الصحافي المفكر المحلل الذي لا يشق له غبار مهما حاول البعض كرها أو حسدا أو قلقا تهميش آرائه فالرجل صاحب مدرسة تحليلية متفردة فهو يتحدث عن مواضيع عاش تحولاتها وتفاصيلها , وقابل في مراحل متعدده أبرز رموزها سواء في بريطانيا العام 1963حينما كان طالبا وشاهد وشارك في التظاهرات ضد رئيس الوزراء البريطاني حينذاك هارولد ويلسون ,أو في جبال ظفار حينما كان يغطي القتال كمراسل صحافي بين جبهة تحرير ظفار وقوات السلطان العماني والجيش البريطاني , أو بعد ذلك حينما كان يحضر رسالة الدكتوراه حين جمعته لقاءات وعيش مع المرجعيات الشيعية في العراق .
تأملات النفيسي التي لم يتوسع فيها طبقا للوقت المتاح في الندوة خلصت إلى أن الديمقراطية في الكويت ليست حقيقية وأنها أشبه ما تكون بكذبة كبرى صدقها الشعب الكويتي مدللا على ذلك بأمور عده من أهمها أن اصدار الدستور وتشكيل البرلمان جاء بعد طلب بريطاني مباشر لم يرتضيه غالبية أسرة آل صباح لكنها نفذته لأن الظروف الدولية في ظل تنامي المد القومي تحت راية الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر , وفي ظل انطلاق حركات ثورية في الخليج تطالب بنصيب للشعوب في ثروة الخليج .
والحقيقة أن النفيسي وإن كان لم يشر إلى وجود حركة ديمقراطية في الكويت بدأت منذ نشأة الدولة منتصف القرن الثامن عشر وتمثلت في طريقة إختيار الحاكم وعدم قطعه لأي أمر إلا بموافقة النخب التجارية والدينية , وامتدت إلى تشكيل 1921 و 1938 و 1939 عبر انتخابات مباشرة إلا أن كل ذلك وفق تحليلي ليس بذي أهمية إذا كان البرلمان قد تحول بعد بدايات تبشر بالخير , حسب تأملات النفيسي , إلى مجرد قبة صحراوية رخامية ظاهرها الديمقراطية وباطنها الأعراف الصحراوية التي يتحكم بها شيخ القبيلة.
وتكتسب تأملات المفكر النفيسي في هذا الشأن أهمية خاصة كونه برلماني سابق أعطى خلال عضويته التي لم تستمر سوى سنة ونصف السنة بسبب حل مجلس الأمة العام 1986 مثالا لرجل السياسة الذي يتحدث بفكر إستراتيجي من ناحية ومن ناحية أخرى يتعرض لأدق تفاصيل الحياة اليومية التي يواجهها المواطن الكويتي البسيط من دون أن يخضع بأي صورة لما عرف حينذاك بهيبة الشيوخ الكبار التي كانت تحتوي أعضاء مجلس الأمة باستمالتهم لأعراف دولة المشيخة بدلا من ضوابط دولة الدستور .
المفكر النفيسي كان واضحا في دعمه لسجين الرأي محمد عبدالقادر الجاسم إلى درجة أنه أسماه أسيرا بما تحمل هذه التسمية من مدلولات كما أنه كان أكثر وضوحا حينما اعتبر أن استمرار رئيس الشيخ ناصر المحمد في مناصبه يضر الكويت ما يستوجب تحركا شعبيا لعزله وهي دعوة لم يناد بها حتى من سيروا التجمعات دعما للجاسم سوى النائب مسلم البراك الذي أشار لذلك حين ذكر في التجمع الحاشد للتضامن مع الجاسم الأحد الماضي أن قاعة عبدالله السالم لا تسع كتلته والشيخ ناصر المحمد معا.
عبدالله النفيسي أتى ليكشف كم هم أقزام معظم سياسيي هذه المرحلة ؟.
وكم تضاءل العمل السياسي في الكويت إلى درجة أن التيارات السياسية أصبحت "ممشة زفر" , ولم تعد لها أي قيمة أو تأثير لأسباب عديدة مر عليها المفكر النفيسي بجرأة ووضوح .
هل سيستقيظ ضمير السياسيين المعتقين فيعيدوا قليلا من الإحترام لتاريخهم السياسي أم تستمر لعبة الكراسي الموسيقية المفضوحة لنيل رضا السلطة وعطاياها ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق