لم يكن ينقص تداعيات اكتشاف ما يسمى بالشبكة الجاسوسية سوى ان تتلقف الصحف الكويتية بترحاب تصريحات لافراد لا يمثلون أي قيمة سياسية وتنشرها تحت مسمى ناشطات وناشطين سياسيين لتتلقاها دول أخرى وتعتبرها مقياسا للرأي الكويتي فتسوء العلاقات الخارجية ويضيع جهد وزارة الخارجية سدى لمجرد أن هناك جهلة يريدون البروز على حساب مصلحة الكويت .
كما أنه من المحزن جدا أن يتناول الشأن الخارجي برلمانيين وكتاب و"مستغلي فرص" من دون أن تكون لديهم القدرة على تغليب المصلحة العليا للكويت فيختلط الخاص بالعام وتضيع الحقائق ويغيب صوت العقل .
خبر لم تؤكد تفاصيله بعد عن اكتشاف شبكة جاسوسية تعمل لصالح الحرس الثوري في ايران يكشف للأسف عن مدى هشاشة التعاطي السياسي والاعلامي وقبل ذلك الحكومي مع مسائل تتعلق بالأمن القومي للكويت فتوجه الاتهامات لدولة اسلامية شقيقة ويطالب البعض بطرد سفيرها من دون أن يكون لهذه المطالبات أساس قانوني فالمسائل الدبلوماسية بين الدول ليست بلعبة أطفال , والدول الديمقراطية لا تتيح وفقا للقوانين التي تنظم العمل السياسي لأي سياسي أو برلماني التدخل في مهام منوطة بجهات رسمية فذلك في تلك الدول لا يدخل ضمن حرية التعبير على الاطلاق .
خبر الشبكة الجاسوسية تحول من خبر أمني بحت ليكون ساحة للصراع المذهبي بين نواب ينتمون للطائفتين السنية والشيعية فتنطلق التصريحات التي تهاجم الحرس الثوري الايراني و تنظيم قاعدة الجهاد ثم تنتقل تدريجيا لمهاجمة المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران ثم تتحول الى تشكيك بمواطنة طائفة كويتية كاملة .
ووسط هذا كله يتناسى هؤلاء النواب ووسائل الاعلام وكتاب المقالات حجم الكويت الحقيقي وحاجتها لعلاقات متوازنة مع كل دول الاقليم لتكون في منأى عن الأخطار والحروب وفقا لمبدأ أصيل في السياسة الخارجية الكويتية منذ عهد الشيخ مبارك الكبير وإلى يومنا هذا والقائم على التمسك بعلاقات حسن الجوار مع الدول المحيطة في الكويت جغرافيا .
الكويت تاريخيا وسياسيا مكانها الطبيعي يكون عبر تحالف وثيق مع دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية , وبلا شك أن أي محاولات تقوم بها أطراف محلية أو خارجية لنزع الكويت من اطارها الطبيعي ستبوء بالفشل الذريع فدول مجلس التعاون لا ترتبط فقط باتفاقية تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربية انما يجمعها قبل ذلك تاريخ مشترك وعلاقات ضاربة في عمق التاريخ لا يمكن ان تؤثر فيها أي محاولات عبثية .
ولكن في الوقت نفسه وكما أن لكل دولة في دول مجلس التعاون الحق في تكوين علاقات ايجابية مع دول الجوار فإن للكويت كل الحق في تحسين علاقاتها الثنائية مع الجمهورية الاسلامية في ايران من دون أن يكون لذلك تفسيرات متعارضة فلا الكويت ستكون ساحة للصراع المذهبي مهما حاولت أطراف مشبوهه تحويلها الى ساحة غير محسومة المذهب كما في لبنان والعراق , ولا الكويت ستكون أرضا معادية للجمهورية الاسلامية في ايران مهما حرض البعض على ذلك بدعاوى مختلفة .
لو كان لدينا قانون لتنظيم العمل السياسي لما سمح لأفراد بالتصريح في أي قضية من دون أن يكون لديهم ترخيص بذلك يجعلهم يتحملون مسؤولية ما يدلون به من تصاريح كما في دول ديمقراطية عديده , ولما استعجل كذلك برلمانيون وتيارات سياسية في الادلاء بأي تصريح قد يعرض المصلحة العليا للكويت للخطر , ولسعت وسائل الاعلام لنشر الحقائق الموضوعية من دون تهويل ومن دون أن يكون للعنصر الأجنبي أي دور في تمرير أخبار وتصريحات غير دقيقة تخدم مصلحة بلدان أخرى فيما الكويت وحدها من تدفع الكلفة .
الوضع في الكويت لا يحتمل ألعاب سياسية تقوم بها أطراف متنفذة لتحجيم فئة هنا وطائفة هناك فالتشكيك في ولاء البدو عبر التوسع في قضية ازدواجية الجنسية , ومحاولة الاساءة للشيعة عبر ربطهم ذهنيا باختراقات منسوبة للحرس الثوري في ايران أساليب لا يمكن ان تقبل فوطنية الكويتيين أكبر من أي متنفذ و وتضحية الكويتيين في كل مراحل الكويت وخصوصا خلال الاحتلال العراقي الآثم للكويت لا يمكن ان يتم التلاعب بها هكذا وكأنما نحن شعب بلا ولاء , وكأن كل معاني الوطنية من الممكن التشكيك بها لخدمة غرض مرحلي لا يمت لمصلحة الكويت بصلة .
الكويت لن تستطعم الفستق الايراني , ولكنها لن تمانع في تناول القليل منه متى طالما كان خاليا من الشوائب فطعمه حينذاك سيكون لذيذ جدا .
* اضافة :
الزميل الكبير طلال السعيد خلال لقاءه بالسفير اللبناني في الكويت يتحدث بالنيابة عن الشعب الكويتي وهو أمر لا يجوز لأحد أن ينسبه لنفسه فلا أحد يملك التحدث بإسم الشعب الكويتي سوى حضرة صاحب السمو الأمير , كما أن السفير اللبناني تحدث بلباقة ودبلوماسية وشرح أن المجموعة التي أساءت الى الكويت في لبنان ربما كان هدفها الاساءة الى العلاقات اللبنانية الكويتية ولهذا لم يكن من اللائق تحقيق أهداف تلك المجموعة عبر تضخيم هذه القضية وتناولها خارج الأطر الدبلوماسية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق