لم يكن هناك أسوأ من اختيار اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو للاعلان عن اغلاق صحيفة أوان الكويتية فكان هذا التوقيت بحق بمثابة اهانة للصحافة فالتوقيت كان بمثابة رسالة مفادها ان الصحافة في الكويت ليست سوى وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لهذا اذا ما انتهت الحاجة اليها سترمى في غياهب التاريخ من دون مراعاة اي توقيت .
حين يريد شيخ أو متنفذ أو أي طرف آخر تقوية نفوذه في الكويت فعليه الا يلعب بمصير أسر الصحافيين لتحقيق أهدافه , لهذا يجوز أن يقرر أحد ما اغلاق صحيفة يومية فقط لأنه استنفذ الهدف من انشائها فليس هذا من الفروسية في شيء, فما هو ذنب الصحافيين الذين عملوا في جريدة أوان التي اعلن عن اغلاقها أمس , كي تنهى مؤسستهم الصحافية من دون أن يعلموا لماذا ؟ ومن دون أن يعطوا مهلة كافية لترتيب أوضاعهم فهل آدمية الانسان في الكويت رخيصة الى هذا الحد ؟ وهل الصحافة في الكويت أصبحت في نظر البعض مجرد ذراع اعلامي يحقق النفوذ في فترة معينة .
في اليوم العالمي لحرية الصحافة تغلق صحيفة ! أمر مقزز ولا يبعث على الإطمئنان فهكذا تدار الأمور في القطاع الخاص في الكويت فمستقبل أسر العاملين لا تساوي جناح بعوضة حينما تحضر المصلحة اللعينة .
نعم لكل مالك صحيفة الحق في أن يغلق أي صحيفة حين يكون مضطرا لذلك لاسباب اقتصادية بحته مع حفظ حقوق العاملين بالطبع , ولكن لابد أولا من الاعلان عن ذلك قبل مدة زمنية معقولة كي يستطيع الصحافيون والمهنيون والمشتغلون في هذه المؤسسة ترتيب أوضاعهم المعيشية والوظيفية والاجتماعية .
لهذا عار على مالك أي صحيفة أنشأت من أجل هدف سياسي أو مرحلي أن يعرض هؤلاء الصحافيين وأسرهم لهذا المصير من دون أن يتعهد بتعويضهم أولا عن هذا القرار المفاجيء ومن ثم يساعدهم في التوظف في مؤسسات أخرى فالمسألة بالتأكيد ليست بلعبه .
جريدة أوان تميزت في نواح عديدة ليس من ضمنها الموقف السياسي المستقل بالطبع ولكن والحق يقال هي على الأقل جريدة تقرأ وأفضل من صحف أخرى تم الابقاء عليها تتصف بالـ " غوبلزية " ( من غوبلز وزير اعلام هتلر) وبتقديم خدمات" البودي قارد" ولكن على شكل افتتاحيات ومانشيتات تخجل حتى الصحف القومية في مصر وسوريا من نشرها في زمن الآي باد والأنترنت عالي السرعه .
ضحيتم بالرقي والثقافة والفكر مقابل صحف أشبه ما تكون في اسلوبها التحريري بالقطيع الذي يرد على الملك زهير في أوبريت بساط الفقر " اي والله اي والله " فلا صحافة ولا فكر انما تبعية خرقاء وعضلات ورقية وسلاطة لسان تعمل وفق نظرية هاتف العملة العراقية " شقد ما تحط بيه فلوس يحجي " .
الصحافة في الكويت لا أقول عنها تحتضر ولكنها بالتأكيد تعاني من سرطان أنتشر في جسدها كما النار في الهشيم فطغيان المصالح على مباديء الصحافة مرض عضال لا يعالج أحيانا الا بالبتر وذلك عبر حملات مدنية لا تترك للفاسدين مجالا كي ينفذوا من خلاله للصحافة فيحققوا المآرب ويحموا المصالح ويغيبوا الحقائق بالتشويه والتحوير .
قبل أشهر بدات حملة متواضعة لأوضاع الصحافة في الكويت عبر فكرة بسيطة مفادها انشاء فريق لمراقبة وسائل الاعلام يقوم بنشر تقارير دورية عن تجاوزات الصحف وأخطاء الكتاب كي نضمن أن الخبر في الصحافة الكويتية مقدس ولا يتسلل من خلاله الراي والمصلحة , ولا يتم توجيهه لمصلحة ملاك صحيفة ما , وكي نضمن أن كتاب المقالات والزوايا لا يتبنون خطابا يثير البغضاء والكراهية .( http://alaan.cc/pagedetails.asp?nid=46465) .
هذه الفكرة التي رآها البعض حالمة حين طرحت في طريقها للتشكل بفضل من الله بعد مقال كتبته تعليقا على الهجوم الذي شنه رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي قبل أسبوع ضد الصحافة الكويتية .(http://alaan.cc/pagedetails.asp?nid=51425&cid=47).
و ربما جاء هذا التفاعل لأن البعض أدرك أن الصحافة في الكويت تحتاج بالفعل الى الحماية من أصحاب المصالح أولا , ومن الصحافيين والكتاب الذين عقدوا صفقة مع الشيطان مفادها أن تتحول الصحافة الى أجر مقابل عمل من دون وضع ضوابط تحمي حق المجتمع في الوصول الى الحقيقة , كل الحقيقة, ولو تعارضت مع مصالح ملاك الصحف والفضائيات .
ويغيب في هذا الظرف العصيب الذي يمر به صحافيي جريدة أوان أي دور لجمعية الصحافيين الكويتية أو نقابة الصحافيين فلا مباحثات أو مفاوضات مع مالك الصحيفة أو ممولها للحفاظ على مستقبل أسر هؤلاء الصحافيين , وهذا موقف جديد تثبت فيه جمعية الصحافيين ونقابة الصحافيين أنهما خارج نطاق التغطية ولا يقومون بالحد الاخلاقي الادنى للدفاع عن صحافيين أبرياء تعرضوا لظلم يهدد معيشتهم من دون ذنب ارتكبوه سوى أن متنفذا أراد تحقيق مكاسب سياسية خلال فترة وجيزة وحين بدا انها تحققت قرر التضحية بهم جميعا .
بالطبع الكبار في جريدة أوان لن يتضرروا هم وبعض الكتاب الذين طبلوا" لصاحب الحلال" كثيرا فهؤلاء كما ورقة "الجيكر " في لعبة الورق لهم من الأساليب ما تجعلهم قادرين على التأقلم مع أي ظرف, ولكن ماذا عن الصحافيين المهنيين وعن البسطاء من العاملين ؟ لو كان عقد عمل هؤلاء يمتد لخمس سنوات على الأقل ولا يحق نقضه من دون تعويض عادل لما شعر أحد بالقلق, ما يجعل من ينوي العمل في أي صحيفة في الكويت من دون عقد من هذا النوع كالمغامر الذي يضع نفسه تحت ظروف مصلحة مغامر آخر .
اليوم العالمي للصحافة شهد عربيا مهزلة لا تغتفر فبينما تعج السجون العربية بآلاف الصحافيين والاعلاميين المحرومين من حقهم في ابداء يقوم اتحاد الصحافيين العرب , والذي يشغل رئيس جمعية الصحافيين الكويتية أحمد بهباني منصب نائب الرئيس فيه , والذي يقال أن الكويت تدعم أنشطته بنحو مليون دولار سنويا , يقوم بعقد اجتماع الامانة العامة له في تونس ويقوم بدعم المجموعه الحكومية التي انقلبت على النقابة الوطنية الشرعية للصحافيين في تونس , ويواصل الاتحاد في هدره للحريات الصحافية حدا لا يطاق بالقيام بتكريم الرئيس التونسي بوصفه " صديق الصحافيين العرب " .
الأوضاع الصحافية في الكويت بلغت حدا لايطاق فإما صحافة مهنية لا تعقد فيها الصفقات بين ملاك الصحف والفضائيات وبين من بيدهم النفوذ, أو ليبدأ المجتمع حملات مدنية متلاحقة تنتزع الصحافة من براثن هؤلاء لتعود الى مسارها الطبيعي أي أن تكون منبرا للراي والرأي الآخر وأن تبحث عن الحقيقة بتجرد ومهنية .
آن أوان انقاذ الصحافة الكويتية من أصحاب المصالح .
* توضيح :
مقالة" ما لم يقله جاسم الخرافي عن فضائح الصحف والفضائيات" ( http://alaan.cc/pagedetails.asp?nid=51425&cid=47) لم أقصد فيها على الاطلاق الرد على مقالة الزميل محمد الوشيحي التي هاجم فيها الزميلين الدكتور سعد بن طفله وزايد الزيد ليس فقط لأنني لا أعلق الا على مواقف الأشخاص لا الأشخاص أنفسهم ولكن أيضا لأنني وبفضل من الله لم أقبل يوما من الأيام أن أكون ناطقا بإسم غيري مهما حاول البعض تضليل البعض بغير ذلك .
وفي هذا السياق أتت بعض التعليقات التي ربطت بين المقالتين وحقيقة لا ألوم معلقي جريدة الآن التي نشرت المقالة فالتزامن بين المقالتين كان سيئا جدا .
هذا التوضيح يتم نشره بعد اتصال أجريته مع الزميل محمد الوشيحي شرحت فيه أن هذه المقالة كتبت قبل يومين من قراءتي لمقالته ونشرت في جريدة الآن بعد تأخير نحو 10 ساعات رغم أن اتفاق النشر بين المدونة وجريدة الآن يعني التزامن في النشر , والسبب في التأخير كان ظن ناشر جريدة الآن الزميل الدكتور سعد بن طفله من أن يفهم أن نشر المقالة يأتي وكأنه رد مني على مقالة الزميل الوشيحي الا أنني طلبت نشرها كما كان مقررا طالما أنني لم أقصد فيها الرد على أحد .
أعتذر عن اشغال القراء في قضايا لا تهمهم بشكل مباشر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق