أطفال يرسمون بحب علم الكويت ( مصدر الصورة الأنترنت )
ليس هناك أسهل من استخدام النظام الأمني لإدارة البلد فهذا النهج تتبعه أنظمة الحكم التي لا تحظي بالشرعية والشعبية والشرعية الدستورية أما في الكويت ولله الحمد فالأسرة الحاكمة تحظى بالشرعية والشعبية والشرعية الدستورية وفوق ذلك تحظى بالحب الفطري من كل شرائح الشعب الكويتي بما في ذلك الشخصيات السياسية التي تتهم بالتشدد في المعارضة .
لهذا فإن مصطلح هيبة الحكم الذي يحاول البعض من خارج أسرة الحكم حملة كقميص عثمان بهدف الإنتقام من الخصوم السياسيين لا يمكن أن يشكك فيه في الكويت فللحكم هيبة لم تفقد لدى الشعب الكويتي على الإطلاق حتى حينما كان الحكم يتعرض لاشرس غزو عرفه العصر الحديث خلال الإحتلال العراقي الآثم فهي هيبة يخلقها الحب وينميها الولاء , ولكن وفي الوقت نفسه يجب عدم التوسع في مصطلح الهيبة ليمتد ليشمل الشخصيات العامة كافة وفي شؤون ممارسة السلطة التشريعية والرقابية فهنا لا يكون الحديث عن الهيبة سوى محاولة لتغييب السلطة التي أتاحها الدستور الكويتي لأعضاء مجلس الأمة وللرأي العام الكويتي .
وما يحصل اليوم من محاولة للتحريض على بعض أعضاء مجلس الأمة بإسم الدفاع عن الأسرة الحاكمة ليس سوى إساءة لهيبة الحكم بطريقة مباشرة وغير مباشرة وذلك عبر اقحام أسرة الحكم في "الطالعه والنازله" وتصوير بعض الإستجوابات البرلمانية وكأنها حرب على أسرة الحكم كما حصل في إستجواب النائب الدكتور فيصل المسلم لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد فهذا التحريض بحد ذاته يعتبر أكبر إساءة لاسرة الحكم وهو ما لا يقبله أفراد الاسرة وهو ما أشرنا إليه في مقال في حينه فالأزمة لم تكن وليدة اليوم .
هيبة الحكم لم تمنع مؤسس الكويت الحديثة أسد الجزيرة الشيخ مبارك بن صباح (مبارك الكبير) رحمه الله من الذهاب إلى البحرين من أجل استرضاء التاجر هلال المطيري والطلب منه العودة إلى الكويت على إثر خلاف بينهما وتجار آخرين أدى إلى هجرة هلال و التاجرين شملان بن علي الرومي وابراهيم المضف رغم أن الشيخ مبارك كان قد بعث أبنه الشيخ سالم المبارك لهلال ورفض الأخير العودة فالشيخ مبارك لم يقبل بهجرة هؤلاء التجار في وقت كانت تحتاج فيه الكويت كل طاقة وطنية للبقاء مستقرة ومستقلة في زمن كانت الدول الصغيرة تتهاوى فيه بلا رحمة .
وهيبة الحكم لم تمنع حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر من القبول بوجود مجلس تشريعي يدير السلطة التنفيذية ويشارك فيه المجلسيين حين رأى رحمه الله أن استقرار الكويت أهم من كل آراء رافضة لوجود المجلس .
وهيبة الحكم لم تمنع أبو الدستور الشيخ عبدالله السالم من توقيع مسودة الدستور حين قدمت إليه فورا ومن دون أي تعديل بالرغم من حقه كحاكم في رفض أي مادة كما أن هذه الهيبة لم تمنعه من التنازل عن صلاحيات الحكم المطلق لصالح الشعب ليسجل بذلك حالة نادرة لا تتكرر لدى دول أخرى حيث يقوم فيها حاكم ما بالتنازل بالإتفاق مع جمعية وطنية تأسيسية ( المجلس التأسيسي ) عن بعض السلطات التي كان يتمتع بها قبل الدستور .
وهيبة الحكم لم تمنع امير الكويت الشيخ جابر الأحمد رحمه الله من البدء بعهد جديد مع المعارضة الوطنية حينما طلب منها في خطاب شهير العام 1971 المشاركة في إدارة الشأن العام بعد إنسحاب بعضقوى المعارضة الوطنية من مجلس الأمة على إثر تزوير الإنتخابات البرلمانية العام 1967 , ولم تمنعه الهيبة رحمه الله من الطلب من المعارضة البدء بعد تحرير الكويت بمرحلة جديدة من العمل السياسي بدأها هو بتشكيل الحكومة بالتناغم مع الرغبة الشعبية بحيث ضمت 6 وزراء منتخبين .
وهيبة الحكم لم تمنع سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله أواسط التسعينات من القرن الماضي من القبول بحل وسط فيما عرف في حينه بأزمة المادة 71 من الدستور والمتعلقة بالمراسيم التي صدرت خلال فترة الحل غير الدستوري ,وقيامه بإستقبال أبرز خصومه في قصر الشعب من أجل الاتفاق على هذا الحل الوسط وهما رئيس مجلس الأمة آنذاك أحمد السعدون والذي داعبه الشيخ سعد حينها بعد التوصل إلى الحل بالقول وبروحه المرحه رحمه الله " صافي يا لبن ؟ " , والنائب السابق أحمد الشريعان الذي كان أحد القلائل الذين ينتقدون الشيخ سعد في مجلس الأمة.
وهيبة الحكم لم تمنع سمو الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد حفظه الله من قبول إستقالة رئيس مجلس الوزراء بدلا من حل مجلس الأمة في أكثر من أزمة سياسية كبيرة , كما أن هيبة الحكم لم تمنع سموه من توجيه خطاب غير إعتيادي في ديسمبر2009 طلب فيه التهدئة ورفض فيه المساس بالوحدة الوطنية على إثر فتنة قناة السور وتجمع نحو 10 آلاف مواطن في منطقة العقيلة رفضا لهذه الفتنة .
لهذا كله فهيبة الحكم لا تعني على الإطلاق تجاهل الرغبة الشعبية ولا تعني على الإطلاق الضرب بيد من حديد كما يحاول البعض المحرض تصوير ذلك بل تعني ضمن ما تعنيه الإقتراب من هموم الشعب وتفهم أسباب احباطه وهو ما نحمد الله على توفره في أسرة الحكم الكويت .
ولهذا فإن قيام قناة فضائية معينة بإعادة بث مقطع معين لما تعتقد أنه مساس بالذات الأميرية فهو أمر يتضمن بحد ذاته شبهة المساس بالذات الأميرية , ولهذا يجب على السلطة المختصة وهي وزارة الإعلام تطبيق مواد قانون المرئي والمسموع بهذا الشأن فجزاء هذا التحريض يفترض أن يكون من جنس العمل نفسه فالإدعاء بأن مفردة ما تتضمن مساسا بالذات الأميرية من دون دليل واضح ومباشر ومحدد يعتبر نوعا من إقحام الذات الأميرية في الخلافات السياسية .
منهج الملاحقة السياسية لا يمكن له أن يحول القانون في الكويت لأن يكون مجرد أداة تمارس وفقا للخصومة السياسية لهذا فإن مجرد رفع دعوى ضد نائب أو كاتب معين وفق قانون أمن الدولة أو قانون الجزاء لاطلاقه مفردات معينة وتجاهل نائب أو كاتب آخر قام بعمل مشابه فإن ذلك يعتبر بمثابة ملاحقة سياسية من الطراز الأول يتم فيها اقحام القضاء واشغاله في قضايا تتضمن مفردات سياسية يحسم الخلاف حولها في ساحات السياسة والبرلمان والإعلام لا في ساحة القضاء وهذا لا يعني الإقرار برفع هذا النوع من الدعاوى فقضايا النشر والرأي يجب أن يحصر تطبيقها في قانوني المطبوعات , والمرئي والمسموع فقط لا قانون الجزاء أو قانون أمن الدولة .
ولو طبقنا منهج الملاحقة السياسية بشكل انتقائي ومتطرف لتم على سبيل المثال تقديم النائب أحمد السعدون للمحاكمة بحجة تحريضية وهي أنه قال يوما في تصريح في ندوة اقيمت في مقر التحالف الوطني الديمقراطي في 9 ابريل 2007 الآتي "قسماً بالله سينتهي نظامهم إذا لعبوا بالدستور ,التعديل انقلاب على نظام الحكم وهذا الانقلاب سنواجهه من أول لحظة, هذا تخريب لنظامهم" فوفقا للمنهج التحريضي يمكن القول أن السعدون قد تطاول بمثل هذا الحديث على مسند الإمارة وفقا للمادة 25 من قانون أمن الدولة الداخلي فمن يقبل مثل هذا التطرف في تفسير التعابير السياسية ؟
ولو طبقنا منهج الملاحقة السياسية بصورة خاطئة وعبثية لتم تقديم رئيس مجلس الأمة الحالي جاسم الخرافي للمحاكمة بحجة تحريضية وهي أن الخرافي انتقد وبشده في مقابلة مع قناة العربية بثت في 2 نوفمبر 2007 سمو رئيس مجلس الوزراء وشكك في قدراته وهو من اختاره سمو الأمير رئيسا للوزراء وهو ما جعل سمو رئيس مجلس الوزراء يقول بما نصه "محاولاته للتدخل في تشكيل الحكومة وتوجيه قرارات مجلس الوزراء هي من قبيل تجاوز الحدود الدستورية لصلاحياته كرئيس لمجلس الأمة، كما أنها تتخطى بكثير نطاق مسؤولياته السياسية" ووفقا للمنهج التحريضي يمكن القول أن الخرافي عاب على سمو الامير إختياره لرئيس الوزراء وفقا للمادة 25 من قانون أمن الدولة الداخلي وهو ما لا يعقل بالطبع ,وأنه بما أن اللقاء بث في قناة فضائية مقرها خارج الكويت قد أذاع عمدا في الخارج أخبارا مغرضة حول الأوضاع الداخلية من شأنها اضعاف هيبة الدولة وفقا للمادة 15 من قانون من أمن الدولة الخارجي فمن يقبل هذا العبث التحريضي ؟ .
هذا المنهج التحريضي من الممكن نظريا أن يمارس بسهولة ضد شخصيات بوزن رئيس مجلس الأمة الحالي جاسم الخرافي والسابق أحمد السعدون فما بالنا بنواب أقل وزنا من حيث التراتبية البرلمانية كمسلم البراك ووليد الطبطبائي أو على كتاب كمحمد عبدالقادر الجاسم وأحمد الديين أو على سياسيين كخالد الفضالة .
هذا العبث يجب ألا يستمر ونتمنى من أسرة الحكم التي ضحا الكويتيون طوال قرون بالروح والدم والمال من أجل استمرار الكويت دولة مستقلة تحت حكم آل الصباح بأن تمنع هذا العبث من الإستمرار مع التأكيد على أن يستمر حق أي مسؤول حكومي في التقاضي ضد من يعتقد أنه مس كرامته الشخصية لا أدائه العام , أما قيام بعض العابثين من الطارئين على العمل السياسي وكتاب البذاءة بإستغلال ثغرات قانون الإجراءات وتقديم الشكاوى التحريضية بحق أعضاء مجلس الأمة لمجرد الإنتقام الشخصي منهم فهذا نهج يجب التصدي له عبر تغيير التشريعات وعبر ترسيخ المباديء القضائية التي تحمي النظام الديمقراطي .
الكويت متسامحة صبورة ذات صدر " وسيع " ولا يمكن لها أن تكون بأي حال من الأحوال بلدا تقمع فيه حرية الرأي والتعبير وفق تفسيرات متطرفة للتعبيرات السياسية والأدبية .
والكويت أيضا دولة مؤسسات أو هكذا يفترض أن تكون ولا يقبل أحد لأي موظف عام بدءا من أصغر موظف ووصولا لمنصب رئيس مجلس الوزراء أن يتعرض لأي مس بكرامته الشخصية ولهذا كان من الضروري وجود قانون عصري يعاقب بالغرامة المالية لا الحبس فسجن السياسيين وكتاب الرأي لا يمكن أن ينسجم مع أبسط مفاهيم الديمقراطية .
ولمعرفة مدى خطورة إقحام المقام السامي ومسند الإمارة في القضايا السياسية نورد نص المادة 25 من قانون أمن الدولة الداخلي ونص المادة 15 من قانون من الدولة الخارجي لمعرفة الفرق بين ما قصده المشرع وبين ما يقوم به المحرضين من لي عنق النص لينطبق على حديث نواب بعينهم .
المادة 15 :يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل كويتي او مستوطن في الكويت اذاع عمدا في الخارج اخبارا او بيانات او إشاعات كاذبة او مغرضة حول الاوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك اضعاف الثقة المالية بالدولة او هيبتها واعتبارها او باشر بأية طريقة كانت نشاطا من شأنه الاضرار بالمصالح القومية للبلاد.
المادة 25: "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا او في مكان عام ، او في مكان يستطيع فيه سماعه او رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول او الصياح او الكتابة او الرسوم او الصور او اية وسيلة اخرى من وسائل التعبير عن الفكر ، في حقوق الامير وسلطته ، او عاب في ذلك الامير ، او تطاول على مسند الامارة.