الجو في الكويت ملوث ...جدا .
النظام السياسي لا يزال يعمل بجسد "دستوري " وروح "عشائرية " ومحاولات تشريع قانون ينظم العملية السياسية في الكويت تتعثر ليس فقط لأن السلطة تخشى من تحول التيارات السياسية إلى سلطة حاكمة وفقا للأمر الواقع, وهو تصور غير حقيقي بالمطلق , ولكن لأن التيارات السياسية والقواعد الشعبية لا تزال تعيش هي أيضا بجسد "دستوري" وروح "عشائرية" .
من يحسم الأمر ؟ لا نعلم فالجو في الكويت ملوث ...جدا.
مجلس الأمة وجد بالأصل كي تعرف السلطة الحاكمة حجم وقوة كل تيار سياسي وحجم وقوة الافكار السائدة في المجتمع ومع ذلك ونتيجة لتدخل السلطة السافر في كل صغيرة وكبيرة في الإنتخابات البرلمانية تأتي النتائج دوما غير معبرة عن الواقع السياسي الكويتي ولهذا تفلت خيوط اللعبة السياسية من يد أمهر الساسة . لماذا ؟ الإجابة لأن الجو في الكويت ملوث ...جدا.
المواد الدستورية هي الأخرى تنتهك جهارا نهارا فالمادة 44 من الدستور كادت أن تخنق لولا قيام البعض بتنظيم إجتماع عام في ساحة الإرادة بعد أن حاولت وزارة الداخلية ترويج تفسيرا مخالفا للدستور مفاده أن الندوات العامة تجمعات تتطلب إذنا مسبقا وليست إجتماعات عامة يحظر الدستور أي منع له , والمادة 108 من الدستورالمتعلقة بالحصانة النيابية تنتهك وبقسوة حينما وجهت تهمة للنائب الدكتور فيصل المسلم عن قيامه بإظهار شيك لرئيس الوزراء داخل قاعة عبدالله السالم وخلال جلسة برلمانية وليس خارجها , والمادة 66 تتعرض لمس خطير حين قرر رئيس مجلس الأمة أن قانون إسقاط فوائد القروض الذي طلب سمو الأمير إعادة النظر فيه , يعتبر قد سقط طالما أنه لم يحصل على الأغلبية من دون الألتزام بنص المادة الذي يجيز التصويت عليه في دور إنعقاد لاحق إذا لم يحصل على أغلبية ثلتي أعضاء المجلس , وهو قرار شهد إعتراضا نيابيا يتطلب أن يترجم إلى موقف واضح ووحيد وهو التصويت على القانون مرة أخرى ليمر أن حصل على أغلبية أعضاء مجلس الأمة ومن دون ذلك سيبقى الجو في الكويت ملوث ...جدا .
الصراع الطبقي والمذهبي في الكويت بغيض ورغم أنه كما الصديد الذي ينزف تحت الجلد إلا أنه يخرج أحيانا كقيح كريه بين فترة وأخرى تماما كما يحصل في الإنتخابات الفرعية , وفي تسمية البدو بالمزدوجين "الذين يجب أن يحرقوا في ساحة الصفاة " كما قيل في قناة سكوب من قبل متصل ذات مرة , وفي القول في ديوان شهير أن الرؤوس قامت والعصاعص نامت , وفي محاولات إستغلال البعض لجو التسامح في الكويت من أجل خلق الفتن بهدف عزل الكويت عن محيطها الخليجي تدريجيا عبر تضخيم القضايا المذهبية .
إذن الكل متهم والكل يتحمل المسؤولية , ألم نقل لكم أن الجو في الكويت ملوث ...جدا .
بعض ملاك الصحف والفضائيات يستغلون حرية الصحافة التي كفلها الدستور للشعب من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية جدا عن طريق تبني قضايا عامه وتوجيهها لصالح أطراف في السلطة أو أطراف متنفذة ذات ملاءة إقتصادية أما حق الشعب في المعرفة فلا يهم , وحق المجتمع في وجود صحافة وفضائيات تعمل وفق حد أدنى من التجرد فلا يهم ولكنه مسموح فقط في القضايا التي لا تمس مصالح الملاك .
ولهذا كله نجد أن كل صراع في الكويت سواء في السياسة أو الإقتصاد أو الرياضة تستطيع أن تحدد خريطة المؤثرين فيه من خلال موقف كل صحيفة أو فضائية على حده ,ولنا في الفجور في الخصومة في قضيتي الرياضة وغرفة التجارة خير دليل فالتزوير في الأخبار وفي توجيهها بلغ مرحلة لم تصل اليها حتى الأفلام الهندية حينما كانت الأفلام الهندية تبالغ في كل شيء .
كما أن التحالف إلى حد الثمالة في مواجهة أعضاء مجلس الأمة بل وفي مواجهة مجلس الأمة كمؤسسة تشريعية من الممكن أن ينقلب في الكويت وفقا لتغير المصالح إلى خصومة تصل إلى حد الإتهام بمحاولة قلب نظام الحكم وهي تهمة لا يجوز ,وفق قانون الجزاء الكويتي, أن توجه لكاتب أو صحافي أو ممثل أو أي شخص طالما كان يعبر عن رأيه بشكل سلمي .
وللأسف لم نصل لهذا المستوى إلا لكون الجو في الكويت ملوث ...جدا.
وهكذا يمكننا أن نسرد قصصا لا تحصى ولا تعد عن كيفية تهاوي مفهوم الدولة لصالح مفهوم اللادولة .
ولكن من يتحمل المسؤولية عن كل هذا ؟
هل هم من قرر مواجهة الدستور الكويتي من الداخل عبر سلسلة من الإجراءات العبثية التي تتزامن مع خطاب إعلامي معاد للدستور ؟ أم من يتعامل مع الدستور بشكل إنتقائي جدا بحيث يتحرك نصرة للدستور حينما تمس مصالحه أو مواقعه الإنتخابية ويصمت عن العبث بالدستور حينما لا يجد أن للتصدي لذلك العبث في تلك المرحلة فائدة تصب في صالحه ؟
الصورة السوداوية التي يحاول البعض رسمها عن الكويت في ظل الحكم الدستوري لن تخفي حقيقة ساطعة كما شمس أغسطس الحارقة والتي مفادها : الكويت دولة لا تحكم إلا بدستور حقيقي لا يمكن لكائن من كان ومهما حاول أن يخلق ظروف معادية للدستور أن يقنع طفلا واحدا أن الكويت ستكون أفضل من غير حكم دستوري نيابي حقيقي وغير مهجن .
إذن أين الخلاص من كل هذا الجو الملوث ...جدا ؟
الحل بسيط جدا حسب رأيي وهو آت لا محالة مهما حاول بعضنا تأجيله .
- تشريع ينظم الحياة السياسية في الكويت ولا يتيح لشرار الخلق التأثير على العمل السياسي النزيه .( نظام الرخصة السياسية للناشطين سياسيا ,ونظام الترخيص السياسي للتيارات السياسية )
- نظام إنتخابي يسحق المذهبية والقبلية والعائلية والمناطقية ويجعل تأثيرها محصورا فقط في إطارها الإجتماعي البحت ( نظام الدائرة الإنتخابية الواحدة مع الفوز وفق نظام القوائم والأغلبية النسبية )
- تكثيف الدورات التنشيطية للموظفين الكويتيين بحيث يكونوا قادرين على الإنتاجية بشكل أفضل وبحيث يكونوا قادرين على تولي الوظائف القيادية من دون أن يكونوا محسوبين على شيخ أو متنفذ أو تيار أو قبيلة أو عائلة أو منطقة سكنية معينة .
- إلغاء القوانين التي لا تسمح بفصل الموظف الكويتي من القطاع الحكومي وتطبيق نظام وظيفي صارم يقضي على البطالة المقنعة أولا ثم يكون منصفا للموظفين الكويتيين ماديا ومعنويا ولوجستيا ( بيئة عمل , إمكانات )
- تشريع يسمح بفرض غرامات فورية يدفعها من يمس طائفة أو مذهبا و قبيلة أو شخصا بما يخالف القانون على أن يكون مسموحا لمن يعتقد أن هذه الغرامة غير قانونية الطعن بذلك أمام القضاء , والهدف من الغرامه الفورية عدم ترك البعض يستغل وسائل الإعلام للإساءة للآخرين من دون أن يشعر وعلى الفور بالقيمة التي تكلفها هذه الإساءة .
- تشريع صارم لا يسمح لكائن من كان إستغلال أي مرفق عام أو وسيلة عامة للإساءة إلى الأديان والمذاهب والطوائف والقبائل والعوائل بحيث يقتصر النقد العام على الشخصيات العامة التي إرتضت أن تعيش تحت أضواء الرقابة الشعبية .
المطلوب القيام بإجراءات تشريعية وقانونية سريعه فوتيرة الفساد بأشكاله المختلفة أصبحت سريعة وسريعة جدا .
اللهم أحفظ الكويت من كل مكروه دولة دستورية تحت قيادة سمو الأمير - حفظه الله ورعاه - , واللهم أخرجنا جميعا من العقلية التي تدير الأمور بآلية الصراع المذموم إلى العقلية التي تدير الأمور بآلية الصراع المعقول .