لست مع الذين يدعون إلى إنهاء قضية التشاحن الطائفي في الكويت بالطرق التقليدية التي تدعو إلى التهدئة والتمسك بالثوابت الوطنية والدعوه إلى التعايش السلمي بين كل المذاهب والطوائف والأعراق فكل تلك الأمور محموده ولكنها لا يمكن أن تجدي نفعا من دون حل أصل المشكلة ذاتها خصوصا أننا نشهد في دول الجوار إقتتال سني شيعي في ايران والعراق وباكستان واليمن ما يتطلب مواجهة الواقع المر الآن وفورا قبل فوات الأوان .
في القضية المثارة حاليا لا يجدي نفعا سحب جنسية ياسر حبيب فذلك يحصن ياسر من مساءلة القضاء الكويتي ويعفيه من تحمل المسؤولية في حال إرتكب جريمة يجرمها القانون الكويتي وإن كان يقيم خارج الإقليم ولهذا فسحب الجنسية يعتبر بمثابة "تخريجة" فاشلة يحاول البعض عبرها تلافي آثار هذه القضية على الواقع الكويتي وهي الحجة نفسها التي تم وفقها خروج ياسر حبيب من السجن ثم من الكويت إلى لندن العام 2004 .
وفي القضية نفسها يجب على الدولة أن تطبق القانون بحزم وشدة على من يقوم بتكفير أي طائفة أو مذهب في الكويت وعلى كل من يتخلى عن إبداء الرأي بوسائل سلمية ويلجأ إلى التحريض العلني كما حصل برأينا من قبل المدعو مبارك البذالي والذي ليس له ولا لغيره تهديد النائب سيد حسين القلاف رغم أن تصريحات القلاف في هذه القضية كانت تستفز حتى أبناء المذهب الشيعي حيث كان أبرز من حوَل القضية إلى أشبه ما تكون بفتنة طائفية سواء قام بذلك عن عمد وقصد أو قام بذلك بسبب طريقته المتعجلة في التصريحات الصحافية.
لقاء ملاك الصحف المحلية الذي دعا إليه رئيس تحرير جريدة النهار الاستاذ عماد بو خمسين لن يؤدي إلى أي إجراء حقيقي فالتنافس بين الصحف وكون الصحف في الكويت تنشأ في الأصل من أجل حماية مصالح الملاك كل هذا سيفشل هذه الدعوه المهمه مالم يتم الآتي :
- الإتفاق على عقد ندوة موسعة تناقش ما إذا كان للصحف أو بعض الصحف دور في تأجيج الصراع العنصري في الكويت بأشكاله كافة وكيفية تلافي ذلك إن وجد بمشاركة التيارات السياسية والأكاديميين وقبل ذلك مشاركة الحكومة نفسها ممثلة بمسؤول حكومي رفيع بيده صنع القرارات التنفيذية فلا يمكن حسب رأينا إيجاد الحلول من دون فهم المشكلة جيدا ومن قبل آراء متنوعه .
- الإتفاق على أن أي تحرك في هذا الشأن يجب أن يتم بقيادة جمعية الصحافيين الكويتية فهذا هو الدور المناط بها أصلا والجمعية لديها من الخبرة ما يجعلها قادرة على تنظيم هذا المؤتمر بنجاح وقبل ذلك بفعالية .
- تشكيل لجنة تضم ممثلين عن ملاك الصحف وعن جمعية الصحافيين وعن قسم الإعلام وقسم العلوم السياسية وقسم الإجتماع في جامعة الكويت مهمتها وضع قواعد إسترشادية , وليس ميثاق شرف , لما ينشر ولما ينشر في كل قسم من اقسام الصحف في الكويت كي يكون ذلك رادعا لأي محاولة إختراق قد يقوم بها المتطرفون لتأجيج المشاعر المذهبية والطائفية عن طريق الصحافة .
- تشكيل اتحاد الصحف المحلية وفقا لقانون العمل في القطاع الأهلي ليكون بمثابة الأداة التي تراقب بها الصحف أداء بعضها البعض من حيث الإلتزام بهذه القواعد الإسترشادية بحيث لا يستطيع صحافي أو سكرتير تحرير أو مدير تحرير أو نائب مدير تحرير أو نائب رئيس تحرير كويتي أو وافد في صحيفة محلية أو قناة فضائية خطف سياسة التحرير في مؤسسته وتوظيفها من أجل أهداف طائفته أو مذهبه .
هذا عن التداول الإعلامي لمشكلة الطائفية في الكويت ولكن ماذا عن أصل المشكلة الطائفية في الكويت ؟
بإعتقادي أن أصل المشكلة الطائفية في الكويت يرجع إلى الآتي :
- شعور بعض أفراد كل مذهب أن لدى المذهب الآخر أجندة خفية يسعى إلى تطبيقها على حسابهم .
- عدم وجود قانون يحظى بإجماع وطني يتعامل مع من يثير الفتن الطائفية والمذهبية بشكل سريع لا يخل بقواعد العدالة وفي الوقت نفسه لا يتيح لأي عابث هز تماسك المجتمع الكويتي .
- عدم وجود قانون ينظم العمل السياسي يتضمن منع أي شخص من العمل في السياسة من دون الحصول على ترخيص عبر لجنة تتبع البرلمان وهو ترخيص قد يسحب لفترات معينة إذا لم يلتزم الناشط السياسي المنظم لا العبثي كما يحصل حاليا بالشروط القانونية .
- التدخل السافر لرجال الدين من المذهبين السني والشيعي في القضايا المحلية والسياسية وقيامهم عبر تواضع أداءهم السياسي بتحويل بعض القضايا من قضايا محلية ذات طابع مدني إلى قضايا دينية فطائفية من شأنها أن تهلك الحرث والنسل . والمقصود هنا ليس المتدينين من المؤهلين سياسيا .
- الفوضى الإعلامية التي تتيح لبعض الهواة من غير المؤهلين التصريح ببيانات تمس عقائد ومذاهب الآخرين .
إذن ما العمل كي ننقذ الكويت من هذه الأجواء النتنه ؟
الخطوة الأولى تتطلب علم الجميع بالآتي :
- الوطن للجميع وليس لأسرة معينة أو طبقة تجارية متنفذه أو نخب متعدده ترتبط بالسلطة إرتباطا وثيقا .
- الإنسان الكويتي مجردا من إنتماءاته كافة هو وحده محور إهتمام السلطات الثلاثة ووفق قاعدة تتجرد من الأهواء والنوايا المسبقة , وللإنسان الكويتي أن يحصل على حقه كاملا في المشاركة السياسية والوظيفية لكونه كويتي وليس لشيء آخر على أن يتم التعامل مع هذا المسألة المهمة كأمر سيادي يجب ألا يتم وفق لإنتماء مذهبي أو قبلي أو عائلي .
- الكويت بلد عربي مسلم ومن حيث المذهبية فالكويت بلد ذو أغلبية سنية للأقلية الشيعية فيه أن تحصل على كامل الحقوق بما في ذلك الحقوق الدينية في إنشاء المساجد من دون قيد ووفقا لما تقرره الدولة وولي الأمر وليس لأي أحد سواء كان فردا أو تيارا سياسيا ذو صبغة دينية الإعتراض على ما تقرره الدولة ممثلة بسمو الأمير ومجلس الأمة ومجلس الوزراء والقضاء الكويتي والمجلس البلدي .
- على أبناء كل مذهب دعوة أنفسهم أولا وأبناء مذهبهم ثانيا وبالسر والعلن إلى رفض ونبذ ومحاربة كل طرح يكفر أبناء المذهب الآخر أو يسيء للصحابة وآل البيت أو للعقائد الدينية .
- على كل شيخ دين سني أو شيعي أن يحرص على ألا يتم تصوير أو بث أي شعيرة دينية من شأنها أن تخلق حالة من الإستفزاز للطرف الآخر سواء كان هذا البث في قناة تلفزيونية أو في موقع إلكتروني كاليوتيوب .
كل هذه الدعوات والأماني بالتأكيد ستجد من يرفضها من القلة المتطرفة في الجانبين لهذا يجب تشريع قانون موسع يحارب كل من يسيء إلى المذاهب والطوائف والقبائل إساءة واضحة لا تحتمل اللبس وتخرج عن حق النقد المباح .
ويجب إنشاء هيئة للحوار يتم خلالها وبشكل دوري نقاش القضايا الخلافية بين الطوائف والمذاهب في جو صحي وبعيدا عن التأجيج الذي يتم لأغراض غير وطنية .
التدين الحقيقي لا يبحث عن وسائل الإعلام كي تنقل ما يدور داخل المساجد والمخيمات الربيعية والحسينيات إلى الخارج فإستعراض القوة أمر لا يمكن تقبله في مجتمع متسامح كالشعب الكويتي .
التدين الحقيقي لا يستغل الدين من أجل التنافس الإنتخابي المذموم .
التدين الحقيقي لا يخرج في الغالب عن جدران المساجد والحسينيات إلا لضرورة ملحة ليس من بينها الحفاظ على نفوذ سلطوي أو الإبقاء على منافذ الريع المادي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق