تقرير داهم القحطاني:
" الذيب ما يهرول عبث " هكذا يقول المثل في منطقة الخليج العربي , وهكذا يرى البعض ما تقوم بع إيران من تعمد لتأخير الوصول لإتفاق نهائي فيما يتعلق بملفها النووي في المفاوضات التي تجرى الآن في العاصمة النمساوية فيينا مع دول مجلس الأمن الخمس ( الولايات المتحدة , روسيا , فرنسا , بريطانيا , الصين ) + ألمانيا ,وهي المفاوضات التي يفترض أن تصل غدا 24 نوفمبر 2014 لإتفاق شامل ونهائي يتزامن مع مرور سنة كاملة على الإتفاق المبدئي والذي تم بموجبه رفع العقوبات عن إيران بشكل جزئي .
المباحثات من حيث المضمون بالتأكيد لن تدور فقط على الملف النووي فالمسألة كما طلبت إيران في تصريحات سابقة يجب أن تبحث المشهدان الإقليمي والدولي كاملين , وهو ما يعني أن إيران تريد لوقف خطط نيل السلاح النووي ثمنا مناسبا يتعدى رفع العقوبات ويمتد إلى ترسيخ نفوذها في منطقة الشرق الأوسط عبر بناء تفاهمات مع الغرب , الأمر الذي يفسر أمور عده ومنها الآتي .
الغضب الخليجي غير المسبوق وخصوصا من السعودية على الإتفاق المبدئي الذي وقعته دول 5+ 1 مع إيران قبل عام من الآن حيث أعتبر الأمر وكأنه طعنة من الولايات المتحدة جاءت في خاصر دول مجلس التعاون الخليجي التي طالما تعاونت جدا مع الولايات المتحدة في ملفات عدة , وبنت معها تحالفا إستراتيجيا أمتد لعقود طويلة .
هذه الغضبة الخليجية والسعودية على وجه التحديد قابلتها الولايات بالمسارعة بالتأكيد على أن الإتفاق مع إيران يتركز فقط في الملف النووي ولن يكون أبدا على حسابا العلاقات الإستراتيجية مع السعودية ودول الخليج , وأكدت حسن العلاقات مع السعودية بزيارة لوزير الخارجية جون كيري للسعودية في شهر يناير 2014 تلتها زيارة على مستوى أعلى قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما مارس 2014 وصفت في حينه أن الهدف منها إسترضاء السعودية وإعادة ثقتها بالعلاقات مع الولايات المتحدة .
ومع ذلك من يتابع الوضع السياسي والميداني في المنطقة يجد أن الصورة الرمادية التي كان تشوب المصالح الإيرانية في المنطقة تحولت إلى صالحها بشكل سريع بعد الإتفاق الذي وقعته نوفمبر 2013 مع دول 5+1 , فحليف إيران الرئيس بشار الاسد تحول من رئيس تطالب الولايات المتحدة بتنحيته وتعمل على إضعاف نظامه إلى رئيس ليس من أولويات الولايات المتحدة إسقاطه الآن في حين أن قوات بشار الاسد نفسه والقوات الإيرانية والميليشيات العراقية واللبنانية ( حزب الله ) التي كانت تتعرض لضربات قاسية من جبهة النصرة وأجنحة ثورية تابعة للجيش الحر, إرتاحت هذه القوات نسبيا من المواجهات بعد أن دخلت القوات الأميركية إلى الميدان وبدأت إلى جانب قوات التحالف الدولي بقصف خصوم بشار الاسد فيما اسمته حربا ضد الإرهاب .
المعادلة غريبة جدا ولا يكفي أن يتم تفسيرها بالتصدي لخطر الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) فداعش نفسها تمددت فجأة وأصبحت كما يردد الأمريكيين والسوريين كذلك ويا للمصادفة , الخطر الأكبر الذي يواجه الجميع ما جعل هذا الخطر مبررا مقبولا لدى الأمريكيين للدخول في حرب فعلية ضد خصوم بشار الأسد .
إذن حليف إيران في سورية أصبح أكثر قوة بعد أن تم إضعاف بعض خصومه على يد الأمريكيين والذين أصبحوا بذلك يدعمون الاسد عمليا بدلا من العمل الفعلي على إسقاطه وهو ما كان سيحصل حين قصف المدنيين بالغازات السامة .
من جانب آخر وبشكل غير متوقع تقدم الحوثيين حلفاء إيران في اليمن ليصبحوا القوة المسيطرة في اليمن إلى درجة التحكم بمفاصل العاصمة اليمنية صنعاء وعلى مرأى ومسمع من العالم ومن دول مجلس الأمن وهي نفسها الدول التي تفاوض إيران في الملف النووي حيث إكتفت ببيان خجول من مجلس الأمن يطالب ولا يجبر الحوثيين على الإنسحاب من المدن .
إذن المسألة النووية ليست نووية تماما فالمصالح ترتبط ببعضها البعض وهو ما يتطلب من دول مجلس التعاون التصدي لكل ذلك وفق مسارات عدة تتضمن إجراءات دبلوماسية وسياسية وإقتصادية ومن أهمها توعية الشعوب بحقيقة صراعها من أجل تهيئتها لأحداث قد تغير مسار المنطقة لسنوات عدة إن تم التفاهم الغربي الإيراني بالصورة التي تجعل من إيران القوة الأكبر والحليف المقرب للغرب .
فيما يتعلق بالجانب الفني للمفاوضات بين إيران ودول 5+1 فلا تزال هناك فجوة كبيرة في المفاوضات فيما يتعلق في التوصل إلى إتفاق نهائي ودائم معها ما جعل الولايات المتحدة وألمانيا تعلنان أنهما تعملان على تقليل هذه الفجوة ون ذلك قيام وزير الخارجية الأميركي جون كيري بإجراء محادثات ثنائية مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في فيينا السبت الماضي من أجل تقريب وجهات النظر.
المصادر الأوربية تؤكد أنه من المستحيل عمليا التوصل إلى إتفاق نهائي يوم غد الإثنين بسبب عدم مرونة الجانب الإيراني في المقابل تؤكد المصادر الإيرانية ثقتها بإمكانية التوصل إلى إتفاق نهائي يرضي الطرفين قد يتم على مرحلتين أولاهما الوصول لخطوط عريضة يتم الإعلان عنها غدا الإثنين في الموعد النهائي , والمرحلة الثانية تتم عبر الخبراء الفنيين خلال مدة عشرة أيام.
تلميح إيران عن الحاجة لفترة تمديد يواجه بالرفض الأميركي لأسباب عدة منها أنه سيخفف الضغط على إيران , كما أنه سيزيد من الضغوط على الجانب الأميركي على وجه التحديد بسبب ترقب الجمهوريين لنتائج المفاوضات من أجل مهاجمة ما يعتبرونه تراخيا من الرئيس أوباما مع الإيرانيين يرون أنه بدأ منذ الرسالة السرية التي أرسلها أوباما لمرشد الثورة الإسلامية علي خامئني ويطلب فيها تعاونا إيرانيا لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام .
الموقف الروسي في هذه المفاوضات جسده وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حين ذكر أن كل الأمور الفنية يتم بحثها حاليا لكن الأمر يتطلب إرادة سياسية من الجميع .
الهدف النهائي لدول مجلس الأمن الخمس + ألمانيا أن تتخلص إيران من أي طموح نووي وإلا فعليها أن تواجه العقوبات التي قررتها الأمم المتحدة إضافة إلى عقوبات الإتحاد الأوربي , وإلى هذه اللحظة لا تبدو هذه الدول مطمئنة إلى أن إيران تعمل على ذلك خصوصا أن إيران تصر على أن برنامجها النووي سلمي ومخصص لأغراض الطاقة .
وتقوم خطة دول 5 +1 في التفاوض على الحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم والتي ستتضاعف حسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى 20 ضعفا ,وعلى التشكيك في مصداقية إيران على خلفية فشلها في تفسير إجراء بعض التجارب النووية إضافة إلى أنشطة أخرى تم رصدها تدور في خانة التصنيع العسكري النووي الأمر الذي يؤكد,حسب وجهة نظر دول 5+1 , قلق ورفض إيران بشكل قاطع دخول مفتشين دوليين إلى موقع بارشين العسكري حيث تم الإشتباه بحصول هذه الأنشطة .
ماذا سيحمل لنا غدا الإثنين ؟
إن غدا لناظره قريب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق