رحلة من التعب والألم والفرح واللذة والصبر والنجاح كانت رحلة رضا الفيلي , وهي رحلة وإن كانت وصلت اليوم الإثنين إلى آخر محطاتها فأنها حتما ستبقى حاضرة في الأذهان طويلا فالرجل – رحمه الله – كان ممن يترك بصمات لا تمحى , ولا عجب, فالشغف والإيمان والإخلاص والصبر والتفاؤل سمات لا يمكن إلا أن تخلد رضا الفيلي في تاريخ الكويت الإعلامي .
أتذكر قبل سنوات ,وأنا الصحافي الصغير والمدون المبتديء حين إستوقفني رحمه الله في أحد الندوات ليشجعني ويوجهني بملاحظات جوهرية قبل أن يختم اللقاء العابر بعبارة قالها بالإنجليزية ' أنا فخور بك ' فكانت بمثابة السحر الذي جعلني أدرك أن هذا الهرم الإعلامي لم يكن سوى كتلة من التواضع , ولم يكن سوى محارب حقيقي يهمه أن يستمر الإعلام الكويتي مهنيا لا يخضع إلا للحق مهما كانت المغريات والمؤثرات .
منذ البدء كان الفتى رضا الذي لم يتجاوز ال 14 عاما إعلاميا بالفطرة ففي مدرسة الصديق حيث كان يدرس أدار الإذاعة المدرسية ,وفي معسكر الكشافة 'الجمهوري' الذي كان ينظم كل عطلة ربيعية على ساحل الفنيطيس العام 1955 أدار رضا وبنجاح إذاعة وصحيفة المعسكر .
هذه البداية غير العادية لفتى صغير جعلته ينطلق في عالم الإعلام مبكرا ليكون مذيعا في إذاعة الكويت العام 1959 وعمره 18 عاما ,ومن هناك , في قصر نايف ولاحقا في مبنى الورشة العسكرية المقابل حيث وزارة الإعلام الآن , وعبر إذاعة كانت عبارة عن غرفة واحدة تبث الأغاني عن طريق تشغيل اسطوانات الحجر أشتهر أسم رضا الفيلي ليضيف لآخرين سبقوه منهم أول المذيعين في الكويت الأستاذ المرحوم حمد المؤمن وعبدالرزاق السيد وفاطمة حسين ونورية السداني وحمد السعيدان وعبدالله خلف .
في العام 1961 كانت النقلة الأهم في حياة رضا الفيلي الإعلامي ورضا الفيلي الإنسان , ففي هذا العام تم إنشاء تلفزيون الكويت بفكرة من وزير الإرشاد والأنباء آنذاك حضرة صاحب السمو أمير الكويت الحالي الشيخ صباح الأحمد ,وكان أول المتدربين للعمل كمذيعين رضا الفيلي وشابة صغيرة السن تدعى أمل جعفر فكانت الصدفة التي تحولت إلى قصة حب أثمرت العام 1964 زواجا أمتد خمسين عاما قبل أن ترحل السيدة أمل جعفر مطلع العام 2014 بعد صراع مع المرض .
التدريب كان على يد أشهر أساتذة المسرح في كل الأزمان المخرج العريق زكي طليمات لهذا لم يكن مستغربا أن يتألق رضا الفيلي في حياته المهنية كمذيع بصوت يجسد المعنى ويريح المشاهدين ولا يتعب الضيوف .
البدايات كانت متواضعة ولكن المبدع يبقى دوما مبدعا لهذا كانت بدايات تلفزيون الكويت رائعة بل ومذهلة في مقاييس ذلك الزمن بفضل رضا الفيلي وزملائه من مبدعي ذلك الزمان والذي كان فيه التلفزيون عبارة عن محطة بث إشترتها الحكومة من السيد مراد بهباني , وكان مجرد حجرة صغيرة تضم كاميرتين وأجهزة تشغيل لأفلام 16 ملم ومجموعة من الأفلام الكرتونية الصغيرة .
هذا التواضع في الإمكانات حوله رضا الفيلي إلى تنوع وتميز عبر فكرة شراء الأفلام المصرية وبثها وهي في ذلك الوقت كانت تباع في مخازن مال الله وخالد الشريعان والتي تخصصت في تلك الفترة بتأجير أجهزة العرض والأفلام .
النقلة الأخرى التي أبدع فيها رضا الفيلي كانت إجراء المقابلات مع شخصيات متنوعة عبر كاميرات 16 ملم كانت متوافرة آنذاك في دائرة المعارف وشركة نفط الكويت , واليوم تعتبر مقابلات رضا الفيلي مع الشخصيات التاريخية الكويتية بمثابة كنز حقيقي ومصدر لا يقدر بثمن لكتابة تاريخ تلك المرحلة .
ومن أبرز لقاءات تلك المرحلة مقابلة نادرة لوزير الإرشاد والأنباء ذلك الوقت حضرة صاحب السمو أمير البلاد الحالي الشيخ صباح الأحمد حيث تضمنت توثيقا لتلك المرحلة من أحد بناة النهضة الحديثة في الكويت .
والشيخ صباح الأحمد كان حاضرا على الدوام في حياة رضا الفيلي والسيدة أمل جعفر , فكان أبا روحيا للسيدة أمل وصديقا لعائلتها بحكم أن عمها السيد عزت جعفر هو من تولى تعليم الشيخ صباح , كما أن الشيخ صباح كان أحد شهود عقد قران رضا وأمل والذي تم في بيته .
الثنائي الإعلامي إنطلقا في مشوارهما الحافل كأسرة من شقة صغيرة إستأجراها ذلك الوقت في منطقة شرق في شارع الهلالي حيث كانت عشا لحياة زوجية سعيدة إمتدت طويلا بحب وسعادة وأثمرت ذرية صالحة على حد وصف رضا الفيلي في إحدى المقابلات .
في ستينيات القرن العشرين كانت الفترة الذهبية للإعلام الكويتي ليس فقط لأن المبدعين من أمثال رضا الفيلي عملوا فيه بل لأن الدولة في ذلك الوقت كانت تحرص على تأهيل الكفاءات فألتحق رضا بدورات متخصصة في إذاعة البي بي سي وفي محطة أي تي في إلى أن سنحت الفرصة له وللسيدة أمل جعفر لأن يدرسا الإعلام في الولايات المتحدة العام 1969 حيث حصل رضا على البكالوريوس والماجستير في تخصص التلفزيون والإذاعة من جامعة كولومبيا , البكالوريوس والماجستير في وسائل الإتصال من جامعة جنوب كاليفورنيا .
هذه الخبرات والشهادات العلمية جعلت لرضا الفيلي مكانة متميزة في الإعلام الكويتي والعربي فترأس وشارك في عشرات المؤتمرات والملتقيات المتخصصة وكان من صانعي السياسات الإعلامية في فترة صعود الإعلام الكويتي إلى أن تولى منصب وكيل مساعد في وزارة الإعلام منذ العام 1988 وإلى حين تقاعد عن العمل الحكومي .
رحم الله أستاذنا رضا الفيلي رحمة واسعة وألهم أهله ومحبيه وتلاميذه الصبر والسلوان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق