الأربعاء، 24 يونيو 2015

قراءة لقانون الجرائم الإلكترونية



بهدوء سنناقش قانون الجرائم الإلكترونية الذي أصدره مجلس الأمة الأسبوع الماضي ولم يصدر إلى الآن في الجريدة الرسمية لعل وعسى أن ترده الحكومة قبل أن تتورط الكويت قضاء ومواطنين بهذا القانون المتشدد وغير الواضح .

 لا نشكك مطلقا بنوايا الحكومة ومجلس الأمة الحالي فيما يتعلق بتشريع قانون يحارب الجرائم الإلكترونية لكننا نتكلم عن الآلية التي تتم فيها صياغة التشريعات فالأسلوب القديم الذي يعتمد على قيام قانونيون بصياغة النصوص لم يعد صالحا للزمن الذي نعيشه خصوصا فيما يتعلق بالتشريعات الإلكترونية .

 التشريع أصبح فنا وللمختصين في مجالات عدة أدوار متنوعة ويأتي من ضمنها دور من يصيغ القانون من دون أن تصبح الصياغة هي الدور الأهم .

 وصياغة التشريعات في دول عدة أصبحت متقدمة جدا بحيث يتم توصيف الفعل المجرم بشكل دقيق وواضح للجميع بدلا من الإعتماد على تقدير القضاة لوجود قصد جنائي من عدمها وهو ما قد يصعب في ظل عدم وضوح النصوص الجزائية . 

 وصياغة التشريعات حاليا يجب أن تعتمد على خبراء قانون كويتيون لأنهم الأقرب لفهم الواقع الكويتي بدلا من الطريقة التقليدية لصياغة القوانين والتي استمدت ثقافتها من دول غير ديمقراطية يغلب على قوانينها المد المعادي للحريات العامة .

 وصياغة التشريعات في عصرنا الحالي يفترض أن تتخذ التنظيم منهجا , وأن توجد مزايا لمن يلتزم بتطبيق القانون بدلا من تكثيف العقاب وهو أسلوب قديم لم يعد مجديا ومن نتائجه إيذاء الناس بعقوبات مقيدة مقيدة للحرية , وتنامي الجرائم وتحولها إلى أشكال متعددة . 

 ملاحظات على قانون الجرائم الإلكترونية :

- لم يقم مجلس الأمة ولا اللجنة التشريعية بنشر مسودة القانون كما توصلت لها اللجنة التشريعية الأمر الذي حرم الرأي العام من مناقشة هذا القانون , وإستفادة النواب لاحقا من هذا النقاش , وهذا نهج غير ديمقراطي نتمنى ألا يكون متعمدا فالديمقراطية لا تدار بطريقة ' الكروتة' .

 - القانون تضمن موادا مهمة تعالج جزءا من الجرائم الإلكترونية لكنه تضمن ايضا نصوصا لا علاقة لها بالجرائم الإلكترونية وتتعلق بحرية التعبير فتضع ضوابطا متشددة عليها .

 - القانون عبارة عن قانون عقوبات وليس قانونا منظما فبدلا من البدء بتحديد الجرائم على وجه التفصيل ثم وضع فصل خاص للعقوبات كان القانون كله ومنذ البدء يتعلق بالعقوبات وهو ما يفسر الصيغة المرتبكة التي خرج بها .

 - نصوص التجريم في القانون في بعض النصوص كانت واسعة بالفعل وغير محددة ولهذا يمكن وبسهولة تحوير المعنى مما يجعل المواطن أو المقيم يواجه عقوبة السجن إن لم يستطع إثبات حسن نيته .

 - مجلس الأمة ذاته كان منقسما وبشدة حول هذا القانون بدليل أن عددا من النواب حاولوا تعريف مصطلح الآداب العامة الذي تتسبب محالفته بالسجن لكن إقتراحهم سقط .

 - نتيجة لصياغة القانون المرتبكة يمكن للبعض أن يستغل القانون لتصفية حساباته الشخصية مع الآخرين بدعاوى حسبة يمكن أن تتسبب بسجن البعض أو أن تشغله في التحقيقات وما ينتج عنها من قلق .

  

ملاحظات على المواد :



 مادة رقم (2)

يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 6 اشهر وبغرامة لا تزيد على 2000 دينار ولا تقل عن 500 دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب دخولا غير مشروع الى جهاز حاسب آلي او نظامه او الى نظام معالجة الكترونية للبيانات او الى نظام الكتروني مؤتمت او الى شبكة معلوماتية.

هذه المادة تعاقب كل من يدخل بشكل غير مشروع إلى الأجهزة أو الأنظمة لكنها لم توضح كيف سيثبت الشخص أن دخوله كان مشروعا خصوصا أن الأجهزة الحديثة لديها خاصية قيام الآخرين بالسماح لك بالدخول إلى أجهزتهم لإصلاحها .

 - لم توضح المادة أمور فنية عدة من ضمنها : هل التعليقات الشخصية التي يكتبها الناس في مواقع الآخرين ( أنستقرام , فيسبوك , مدونات) هل هي بيانات ومعلومات شخصية لا يجوز مسحها كما تنص المادة أم أنها تعتبر معلومات لصاحب الموقع ؟.

وماذا لو كان هناك سياق للنقاش وقام صاحب الموقع بشطب بعض عبارات الآخرين بما يخل بالسياق ويظهرهم وكأنهم قد أساؤوا , هل يعالج القانون الأمر أم أنه يعجز عن ذلك بما يهدد كثير من المغردين والمدونين. 

  

المادة 4 فقرة 4 :

 (استعمل الشبكة المعلوماتية او استخدم وسيلة من وسائل تقنية المعلومات في

تهديد او ابتزاز شخص طبيعي او اعتباري لحمله على القيام بعمل او الامتناع عنه).



هذا نص فضفاض وغير منضبط وبسهولة يمكن تطبيقه على النقد السياسي الذي يوجه للنواب والوزراء والشخصيات العامة , فهذا النقد يتضمن تعبيرات قوية لا يقصد بها أمرا جنائيا بقدر ما يقصد بها تقريع الخصم السياسي وتجريحه سياسيا لدفعه للقيام بعمل سياسي أو منعه من عمل سياسي , فهل سيعتبر النقد السياسي جريمة إلكترونية عقوبتها الحبس 3 سنوات وغرامة 10 ألاف دينار ؟



المادة رقم ( 5)فقرة رقم (1)

 (أعاق أو عطل عمدا الوصول الى موقع خدمة الكترونية أو الدخول الى الاجهزة أو البرامج أو مصادر البيانات أو المعلومات الالكترونية بأي وسيلة كانت، وذلك عن طريق الشبكة المعلوماتية أو باستخدام وسيلة من وسائل تقنية المعلومات.)

 هذه الفقرة ونتيجة للصياغة الخاطئة تمنع من يطبق القانون من منع أو تعطيل أي موقع إلكتروني ولو بحكم قضائي فالنص يمنع ذلك على الإطلاق ولم يتضمن عبارات مثل ' من دون وجه حق ' .

 ولا تكفي النوايا هنا فالموظف الذي سيقوم بذلك قد يتعرض لملاحقات قانونية من الجهة المتضررة . 



المادة رقم (5) فقرة رقم (2) :

 ( أدخل عمدا عن طريق الشبكة المعلوماتية أو باستخدام وسيلة من وسائل تقنية المعلومات ما من شأنه إيقافها عن العمل أو تعطيلها، أو دخل موقعا في الشبكة المعلوماتية لتغيير تصاميم هذا الموقع أو إلغائه أو إتلافه أو تعديله أو شغل عنوانه أو إيقافه أو تعطيله.) 

 النص هنا مرتبك فمن هي المقصودة في لفظة ' إيقافها عن العمل أو تعطيلها' هل المقصود الشبكة المعلوماتية أم وسائل تقنية المعلومات فسياق العبارة يتحدث عن شيء مجهول ولو كان النص ' أدخل عمدا في الشبكة المعلوماتية ما من شأنه إيقافها عن العمل ' لكان النص أوضح .

 ماذا لو أتفق صاحب موقع مع مبرمج على الدخول لموقعه لتغيير التصاميم أو لتعديله وتطلب الأمر إتلاف بعض المحتوى أو وقف العنوان الإلكتروني مؤقتا وحصل خلال ذلك خلاف بينهما فقام صاحب الموقع بإتهام المبرمج بالإضرار فهل سيحكم على المبرمج بالسجن فالنص لم يتضمن عبارات تحدد مكمن التجريم مثل ' بما يضر بالموقع ' .



المادة رقم (5) فقرة رقم (3):

 (  تنصت أو التقط أو اعترض عمدا، دون وجه حق، ما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات.) 

 هذه مادة خطرة جدا فالتجريم فيها واسع جدا وغير محدد وقد تطبق على كل شخص تقريبا .

 ما هو المقصود بما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات ؟ النص يفيد بكل ما هو مرسل سواء كان مجرما أو غير مجرم فإلتقاط مقطع فيديو مخالف عن طريق البريد الإلكتروني أو أنستقرام أو الواتساب أمر يتم عمدا لكن من دون أن يعرف الشخص مسبقا بالمحتوى فهل يعقل أن يتم تجريم الشخص والحكم بسجنه لمجرد أنه رأى مقطعا أو قرأ حديثا في تلفونه حتى وأن لم يكن المقطع أو الحديث يتضمنان جريمة ؟!

 صياغة المادة ناقصة ويجب أن توضع مفردة ' عن' قبل عبارة ' وسيلة من وسائل تقنية المعلومات ' ليكون لها معنى لغويا .



 المادة رقم (5) فقرة رقم (4)

 (كل من أنشأ موقعا أو نشر أو أنتج أو أعد أو هيأ أو أرسل أو خزن معلومات أو بيانات بقصد الاستغلال أو التوزيع أو العرض على الغير عن طريق الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات وكان ذلك من شأنه المساس بالآداب العامة أو أدار

مكانا لهذا الغرض.)

هذه الفقرة ستكون سيفا مسلطا على مواطن ووافد في الكويت فمثلا إن قام شاب عمره 16 سنة بنشر مقطع من فيلم كوميدي يتضمن فتاة تلبس زيا قصيرا فيمكن لأي أحد أن يعتبر ذلك مساسا بالآداب العامة فيتعرض لعقوبة السجن  أو الغرامة 5 آلاف دينار أو ألفي دينار .

 وإذا نشرت سيدة فاضلة صورا لأزياء نسائية خاصة في مجموعة بتطبيق الواتساب تضم صديقاتها من النساء , وقررت إحدى صديقاتها ونتيجة لخلاف الإنتقام منها فيمكنها أن ترفع قضية تعتبر ذلك مساسا بالآداب العامة , وهنا ستضطر هذه السيدة الفاضلة لتحمل عناء التحقيقات , أو حضور الجلسات والإعتماد على تفسير القاضي لمفهوم الآداب العامة , وربما تسجن .

 نحن لا نتحدث عن أمر خيالي بل عن حالات حصلت في قضايا سابقة وفي قوانين أقل تشددا فما بالنا بهذا القانون المتشدد جدا وغير الواضح جدا .



المادة رقم (7)

 (يعاقب بحسب الاحوال بالعقوبة المنصوص عليها في البنود (3 ،2 ،1) من المادة 27 من قانون المطبوعات والنشر المشار اليه، كل من ارتكب عن طريق الشبكة المعلوماتية أو باستخدام وسيلة من وسائل تقنية المعلومات المنصوص عليها في هذا القانون أحد الافعال بحسب الاحوال المبينة بالمواد 21 ،20 ،19 من هذا القانون.)



الصياغة في هذه المادة مرتبكة فالمادة تشير إلى عقوبات واردة في قانون آخر ثم تشير إلى أفعال يفترض أنها حسب واردة في مواد في قانون الجرائم الإلكترونية ولدى مراجعة هذه المواد لا نجد هذه الأفعال .

ويتضح أن هذه الأفعال واردة في القانون نفسه الذي وردت فيه العقوبات .

وسبب الإرتباك عدم كتابة عبارة ' من القانون المشار إليه ' في نهاية النص .

 وتثار هنا تساؤلات : هل المقصود أن إحالة العقوبات التي تمارس عن الأفعال الواردة في قانون المطبوعات والنشر مقصور على الصحف الإلكترونية فقط بإعتبار أن قانون المطبوعات والنشر تحدث عن الصحف أم أن الأمر يتعلق بكل ما يكتب في الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات ؟



نص المادة غير واضح .



 المادة رقم (11) 

( يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 10 سنوات وبغرامة لا تزيد على 50 الف دينار ولا تقل عن 20 الف دينار كل من انشأ موقعا لمنظمة ارهابية او لشخص ارهابي او نشر عن ايهما معلومات على الشبكة المعلوماتية او بإحدى وسائل تقنية المعلومات ولو تحت مسميات تمويهية، لتسهيل الاتصالات بأحد قياداتها او اعضائها، او ترويج افكارها، او تمويلها، او نشر كيفية تصنيع الاجهزة الحارقة، او المتفجرة، او اي ادوات تستخدم في الاعمال الارهابية.)



هناك من ينشر مقاطع لمنظمات إرهابية أو لاشخاص إرهابيين بقصد الإخبار عما يقومون به من فظاعات للتحذير منهم فهل سنعتبر هؤلاء ضمن من يروج أفكار هذه المنظمة كما يقول نص المادة ؟ وهل يعقل أن يتم حرمان الرأي العام من تسليط الضوء على الإرهابيين بقصد التحذير منهم لأن النص عام وغير محدد .

  

الخلاصة :

قانون الجرائم الإلكترونية تمت صياغة بصورة مستعجلة وتم تشريعه من دون نقاش مطول ما نتج عنه أخطاء في الصياغة والتشريع كان يمكن تلافيها بما لا يعرض المواطنين والمقيمين لتشريع غامض وغير محدد يتضمن عقوبات قاسية جدا .

 القانون يتضمن جوانبا مهمة وكان يجب التطرق لها منذ زمن لكن هذه الجزئية لا يمكن أن تكون مبررا للتوسع في هذا الشأن والخروج من القضايا الفنية إلى القضايا التي تمس بالحريات العامة .

 وربما لم يكن المس بالحريات العامة متعمدا ولكن وحسب نصوص هذا القانون فهناك خطر حقيقي على كل مستخدم للشبكة المعلوماتية ولوسائل التقنية المعلوماتية .

 الأمر يشبه تماما تسيير الحركة المرورية في الشوارع من دون إشارات مرورية واضحة مما سيسبب حتما كثيرا من الحوادث عن غير عمد وفي الوقت نفسه لن يتمكن هؤلاء من إثبات أنهم غير متعمدين .

 نتمنى من الحكومة المسارعة برد القانون بمرسوم مسبب , وإعادة صياغة بشكل هادىء وبمشاركة واسعة من أصحاب الإختصاص من خارج الإطار الحكومي .

 أما إذا تم نشر القانون في الجريدة الرسمية فلابد من إسقاطه عبر المحكمة الدستورية فالمثالب واضحة جدا , وهذا التشريع تجاوز الدستور حين أورد العقوبة ولم يحدد ماهية الجريمة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق