الأربعاء، 18 مارس 2009

مقال نشر في 3 مارس نعيد نشره مجددا : رغم المساءلة السياسية لرئيس الوزراء ...مجلس الامه لن يحل لا دستوريا ولا غير ذلك


مصدر الصور : الانترنت





اذا كانت قراءة الوضع السياسي تنطبق على الوجوه فان محيا رئيس مجلس الامة جاسم الخرافي أول من امس خلال تصريحاته الصحافية ودردشته مع النواب والصحافيين لم تكن توحي بأن الاوضاع السياسية متوترة الى حد حل مجلس الامة، فالرجل كان مبتسما ويتبادل النكات رغم انه كان محور العمل السياسي بدءا من لقائه بسمو الامير ومرورا بتلقي استجواب النائب الدكتور فيصل المسلم لرئيس الوزراء وانتهاء بالتصديق على جدول اعمال جلسة مجلس الامة العادية اليوم.
الرئيس الخرافي والذي عرف شعبيا بتفاؤله اللامحدود رغم ان الاوضاع السياسية والبرلمانية أصبحت في تقلبها وتطرفها أشد قسوة من الجو في الكويت، لم يكن الخرافي امس قلقا القلق نفسه الذي كان يبدو في تصريحاته الصحافية حينما كانت الاوضاع السياسية مليئة بالعواصف الرعدية، كما هي الحال في استجواب النائب الدكتور وليد الطبطبائي ايضا لرئيس الوزراء مطلع هذا العام حينما رصدت عدسات الفضائيات الخرافي والقلق باد عليه بوضوح.
ورغم ان لقاء رئيس مجلس الامة التقليدي مع سمو الامير لا ترشح عنه أي أنباء مالم يطلب سموه نقل رسالة ما للنواب، الا ان المتابعين لأداء الرئيس الخرافي تصريحا ولفظا وايماءات لسنوات طويلة يستطيعون ان يستمزجوا ما دار في هذه اللقاءات التي ورغم بروتوكوليتها تحدد مسيرة العمل السياسي في الكويت .
وكان لافتا ان تلويح كتلة العمل الشعبي باستجواب رئيس الوزراء اذا مر قانون الاستقرار المالي من دون تعديلات كتلة العمل الشعبي أصبح غير مطروح عمليا بعد ان تم بالفعل اول من أمس البدء في مناقشة هذه التعديلات وغيرها من التعديلات في جلسة للجنة انتهت في الرابعة والربع عصرا وحضرها للنهاية وزير المالية مصطفى الشمالي .
ولكن أين اتجهت الأحداث أول من أمس في مجلس الامة رغم أن استجوابا قدم بالفعل لرئيس الوزراء يليه استجواب آخرقدم أمس من قبل الحركة الدستورية الاسلامية ضد رئيس الوزراء ايضا ؟
عدم فجائية الاستجواب الذي قدمه النائب فيصل المسلم والاستجواب الذي قدم أمس من قبل الحركة الدستورية اذ تم الاعلان عنهما في تلفزيون «الراي» ومن قبل مقدميهما المسلم والنائب جمعان الحربش جعل الاجواء البرلمانية غير متفاجئة خصوصا ان زخم الحماسة في تأييد استجواب رئيس الوزراء أو التخوف من المضي في ذلك حفاظا على الديموقراطية، استهلكا سياسيا وشعبيا الى حد كبير خلال تلويح النائب أحمد المليفي باستجواب رئيس الوزراء على قضيتي التجنيس ومصروفات ديوان رئيس الوزراء، وأيضا خلال تداعيات الاستجواب الذي قدم لرئيس الوزراء من قبل النواب الدكتور وليد الطبطبائي وعبدالله البرغش ومحمد هايف واستقالة الحكومة نتيجة لذلك.
تكرار الاستجوابات التي تم التلويح بها الى رئيس الوزراء او قدمت عرائضها بالفعل للامانة العامة لمجلس الامة لم تكن السبب الوحيد في تنامي الشعور النيابي العام بأن استجواب رئيس الوزراء أصبح استحقاقا لا يمكن تلافيه، فقانون الاستقرار المالي وقانون جدولة قروض المدينين وقانون القرض العادل والتي تناقش اللجنة المالية بعضها وبعضها في طور النقاش، ساعدت في استبعاد التخوف من حل مجلس الامة مجددا او حتى استقالة الحكومة، فالاوضاع الاقتصادية لم تتح مجالا لاجراءات دستورية يتطلبها حل مجلس الامة او استقالة الحكومة قد تعطل مجددا التصدي للازمة المالية الآخذة في التصاعد .
واذا كانت الوقائع السياسية تشير الى أن رئيس الوزراء سيحضر جلسة استجوابه المقررة في 17 من الشهر الجاري الا أن عدم تضمين جدول أعمال جلسة اليوم البرلمانية عريضة استجواب النائب فيصل المسلم المقدم لرئيس الوزراء، وكذلك عدم تضمين الجدول تقرير اللجنة المالية بشأن قانون الاستقرار المالي لعدم انتهاء اللجنة منه قد أتاح فسحة من الوقت لبحث تعديلات كتلة العمل الشعبي ونواب آخرين على القانون، من دون توتير الأجواء البرلمانية في جلسة اليوم في حال ادراج عريضة الاستجواب فيها .
تجريح رئيس الوزراء وهي أداة نصت عليها المذكرة التفسيرية للدستور وليس كما يقال تطرفا في استخدام الادوات الدستورية، هذا التجريح قبل مساءلة رئيس الوزراء لم يعد سلاحا مدويا كما كان في السابق، الا ان النائب فيصل المسلم ونظرا لمقدرته البلاغية والخطابية ووفقا لتخصصه الأكاديمي كأستاذ للتاريخ قادر على أن يحدث المفاجآت خصوصا ان يتصدى في هذا الاستجواب اضافة للقضايا العامة لحملة من التشهير والاساءة يرى انها مورست ضده بعلم من رئيس الوزراء .
ولكن ما السيناريوات المتاحة امام الحكومة للتعامل مع الاستجوابين المقدمين لرئيس الحكومة وعمليا للحكومة بأسرها؟
السيناريو الاقل كلفة يتمثل في اعلان رئيس الحكومة عن حضوره جلسة الاستجواب وترحيبه بتطبيق مواد الدستور الكويتي واستعداده للرد على المحاور التي تضمنها الاستجوابان، فمثل هذا الاعلان سيخفف كثيرا من حدة هذين الاستجوابين، خصوصا أن المواضيع الساخنة التي يتضمنانها كملف مصروفات ديوان رئيس الوزراء وصفقة «داو» وغيرها تم طرحها بصورة ساخنة خلال جلسات عامة وندوات وتصريحات نيابية ولجان تحقيق برلمانية وقضائية .
أما اذا قرر رئيس الوزراء لسبب ما عدم الذهاب الى جلسة الاستجواب فان من شأن هذا السيناريو ان يتيح الفرصة للنواب المستجوبين لمزيد من الحشد الشعبي والبرلماني، خصوصا اذا ما انتهت مناقشة قانون الاستقرار المالي وقانون جدولة القروض بصورة قد لا تكون مقبولة شعبيا وهو المتوقع .
وعمليا يستطيع رئيس الوزراء تلافي هذين الاستجوابين اما برفع كتاب عدم تعاون مع مجلس الامة، وهو اجراء ليس له محل في الدستور فكتاب عدم التعاون مع رئيس الوزراء يرفع من مجلس الامة الى سمو الامير وليس العكس بعد تصويت غالبية النواب غير الوزراء.
ومع ذلك فقد تم هذا الاجراء غير مرة وأصبح بمثابة العرف السياسي وحينها قد يقرر سمو الامير اما استقالة رئيس الوزراء واعادة تكليفه وبذلك يكون في حل من التبعات الدستورية للاستجوابين المقدمين بحقه، وهو اجراء سبق اللجوء له بعد تقديم استجواب وليد الطبطبائي ومحمد هايف وعبدالله البرغش الأخير لرئيس الوزراء، ولم يقابل برفض من النواب المستجوبين ما يعني انه كان مخرجا مناسبا في حينها .
أما الاجراء الثاني فلسمو الامير دستوريا ان يحل مجلس الامة ويدعو لانتخابات برلمانية جديدة تتطلب بطبيعة الحال استقالة الحكومة الحالية، وبالتالي استقالة رئيس الوزراء الحالي وبهذا يتخلص من التبعات الدستورية للاستجوابين المقدمين.
أما لائحيا فيستطيع رئيس الوزراء طلب تأجيل مناقشة الاستجوابين لسنة أو اكثر وهو اجراء أيدته غالبية نيابية حينما لوح النائب احمد المليفي باستجوابه لرئيس الوزراء الا ان هذه الغالبية نفسها تراجعت عن هذا الاجراء خلال استجواب الطبطبائي وهايف والبرغش ما يعني انه اجراء قد لا يجد قبولا نيابيا في الوقت الحالي .
ووفقا لاشارة رئيس مجلس الامة في تصريحه أول من امس بأنه وفقا لرأيه لا يتجوز مناقشة استجواب على موضوع محال على النيابة العامة، فبامكان رئيس الحكومة ان يطلب تأجيل مناقشة الاستجواب الى حين الفصل في الشق القضائي، الا ان هذا الاجراء في حال اقراره في مجلس الامة قد يجبر مقدمي الاستجوابين على تغيير صيغة الاستجوابين او تضمينهما مواضيع غير محالة للنيابة العامة وحينها ستنعدم هذه الحجة .
سيناريو حل مجلس الامة وعدم الدعوة لعقد انتخابات جديدة، ومنع المجلس القديم من الانعقاد وهو ما اصطلح خطأ على تسميته بالحل غير الدستوري لا يجد قبولا شعبيا وبرلمانيا ما يجعل اللجوء اليه بمثابة مغامرة كبرى، لا يتوقع ان يقدم أحد عليها لكلفتها العالية سياسيا وشعبيا وحتى في محيط الاسرة الحاكمة .
استجواب رئيس الوزراء لم يعد أزمة سياسية كما كان في الاستجوابين اللذين لوح بأحدهما النائب المليفي وقدم الآخر النواب الطبطبائي وهايف والبرغش، ولكن مالسر في ذلك ؟ ولماذا تتغير الامور بهذه السرعة ؟السر يكمن في التفاصيل، والتفاصيل لا تزال حبيسة الصدور .
ملاحظة :
نشر هذا الموضوع في جريدة الراي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق