في الجزء الأول من المقالة تحدثنا عن إشكالية صياغة التشريع في الكويت ,وأنه يتم بطريقة الصياغة التقليدية التي تركز على الشكل وتتجاهل المضمون ومن ذلك مشروع الإعلام الإلكتروني الذي تبنته وزارة الإعلام .
المشكلة وربما المأساة أن من صاغ مشروع قانون الإعلام الإلكتروني وأشرف عليه من وكلاء ووكيلات ومستشارين قانونيين هم أنفسهم الذين يصيغون بلاغات تحويل المغردين والكتاب إلى نيابة أمن الدولة بتهم خطيرة مثل المس بالذات الأميرية ما يعني أن مشروع القانون تمت صياغته وفق موقف مسبق وخصومة ظاهرة .
والسؤال لوزير الإعلام : كيف يمكن لهؤلاء, وهم ممن يحارب حرية الرأي والفكر ,أن يشرعوا للإعلام الإلكتروني قانونا يقول في مذكرته التفسيرية " أن المشروع يقدم وفقا لسعي الدولة إلى تقديم الدعم الكامل لتعزيز حرية الرأي والتعبير وحق الوصول إلى المعلومات وإتاحتها للجميع ".
نعم هناك محاذير من أن يستغل الإعلام الإلكتروني بشكل سيء لكن ذلك لا يبيح مطلقا أن يتم صياغة تشريع يسلب الناس حقوقهم الدستورية في التعبير عن الرأي , وهو ما تضمنه مشروع قانون الإعلام الإلكتروني الحكومي الذي أنتقل بالفعل من مشروعية التنظيم إلى لا مشروعية التجريم كما سنبين في البحث التفصيلي لمواد مشروع القانون .
مشكلة الكويت أن من يستشار فيها لصياغة التشريعات المتعلقة بالحريات العامة مستشارين من جمهورية مصر العربية , ومصر بلد عريق في القانون من حيث البعد التاريخي ومن حيث السوابق الدستورية والقضائية لكنه بلد يختلف كثيرا عن الكويت من حيث تطبيق الديمقراطية ففي الوقت الذي كان فيه مدير المخابرات صلاح نصر ,في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر, يطارد المثقفين والمفكرين ويعذبهم في السجون كانت الكويت تبدأ تجربة ديمقراطية وليدة لم تصل مصر لها حتى الآن .
كيف يمكن لمستشارين في دولة لا تتمع بالديمقراطية أن يشرعوا قوانينا تتعلق بالحريات الصحافية لبلد ديمقراطي ؟ ! بالتأكيد سيتجه هؤلاء إلى صياغة التشريع بمعان فضفاضة تضيع معها حقوق الناس ولا تؤسس لمجتمع ديمقراطي حقيقي .
ماذا لو طلب وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود من أكاديميين كويتيين أن يقوموا بإعداد مشروع بقانون عن الإعلام الإلكتروني فالكويت لديها خبرات كثيرة ساهمت في تشريع قوانين سابقة .
لا شك أن النتيجة ستكون تشريعا مختلفا سيكون محددا بحيث يحفظ حقوق الدولة لكنه لا يضيع حقوق الأفراد ولا يعرضهم للسجن لمجرد أنهم عبروا عن رأي .
النشر الإلكتروني عالم متداخل ويجسد العولمة في صورتها الحديثة ولهذا لا يمكن التعامل مع شبكة الأنترنت وكأنها مطبعة أو صحيفة مطبوعة يمكن تطبيق التشريعات المحلية عليها , وإصدار التشريعات في هذا الشأن سيصطدم بعقبات عدة منها الإقليم الذي وقعت فيه الجريمة الإلكترونية , وقدرة الدولة , أي دولة , على منع إنشاء مواقع وصفحات في تطبيقات تتبع لدول أخرى وتتاح للعالم بأسره وفق بروتوكول الأنترنت وإتفاقية التجارة العالمية التي لا تسمح بأي تقييد ما لم يكن يتعلق فقط فقط في تجارة الجنس أو عرض مواد تشجع على العنف والقتل .
المطلوب تشريع عصري ينظم مسألة النشر ويتيح مزايا لمن يحصل على الترخيص من ضمنها الشخصية الإعتبارية التي تتيح له العمل بحرية على الأرض ومن يخالف القانون تسحب منه هذه الرخصة ولا تتاح له هذا المزايا أما فكرة العقوبات فلا يجب أن ترد في أي قانون منظم للإعلام الإلكتروني فلا يجوز تحديد ما ينشر وما لا ينشر مسبقا.
أما فيما يتعلق بالتعرض للأديان والطوائف والذات الأميرية وغير ذلك فالنشر الإلكتروني مكان عام وفق حكم لمحكمة تمييز كويتية ويطبق عليه القوانين كافة .
التعليق على مواد مشروع الإعلام الإلكتروني
التشريع يجب أن يكون مصاغا بعبارات محددة تحدد الفعل المباح والممنوع بشكل واضح لا لبس فيه وفيما عدا ذلك يعتبر إعتداء من البرلمان والحكومة على الحقوق الدستورية المقررة للأفراد .
والتشريع في مجال الإعلام يجب أن يركز أولا على مسألة التنظيم وألا يسرف في مسألة العقوبات فالدولة سلطة منظمة وليست سلطة زاجرة .
والتشريع يتم بالأساس وفقا لنظرية الإقليم أي أن الدولة تشرع وفقا لسلطاتها ,ولا يجوز لها أن تمد تشريعاتها لمواقع ليست ملكا لها كما المواقع الإلكترونية , فهذه المواقع وفقا لإتفاقية التجارة العالمية " الجات" ليست ملكا لدولة الكويت كي تمنع الناس من إنشاء حسابات فيها .
في المقابل يمكن للدولة أن تمنع القيام بالأعمال التي تسبق النشر الإلكتروني في إقليمها فيمكنها مثلا , ومن ناحية نظرية , أن تجرم المحتوى الإلكتروني إن كان بالفعل يتضمن ما قد يعتبر جريمة جنائية , أما منع إنشاء المواقع والحسابات إلا برخصة فهذا تجاوز على سلطات دول أخرى فشبكة الأنترنت ليست ملكا لدوله بعينها .
المادة رقم 4 فقرة 7 :
في المادة 4 يضع المشروع سبعة أنواع من الإعلام الإلكتروني ينطبق عليها هذا القانون ومن ضمنها وفقا للفقرة 7 الآتي " المواقع الإلكترونية التي يتم من خلالها نشر المعلومات والبيانات التي ليس لها طابع المراسلات الخاصة، ويتم وضع محتواها في متناول الجميع أو أي مستخدم".
في هذه الفقرة يفترض أن ينص القانون على عدم إنطباقه على تطبيقات تويتر وأنستقرام وما شابهها تأكيدا لتصريح سابق لوزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود نشر في 14 أكتوبر 2014 قال فيه " أنه لن يشمل المدونات الشخصية والحسابات الخاصة على تويتر وأنستغرام والفيسبوك التي قال انها تتبع جهات اخرى غير وزارة الاعلام." .
لكن النص تمت صياغته بطريقة خادعة فمن يقرأ الفقرة 7 سيظن أنها لا تشمل الحسابات الشخصية في تويتر وأنستقرام وقوقل بلس وغيرها إلا أن النص يؤدي لتفسيرات عدة من ضمنها أنه يشمل وبوضوح أي حساب شخصي في تويتر وأنستقرام وغيرها إن تم نشر أي خبر أو رابط لخبر فيه.
بالطبع وزارة الإعلام ,التي تقول الآن أن القانون لا ينطبق على حسابات تويتر وأنستقرام ,إن مر هذا النص في مجلس الأمة ستغير تصريحها هذا وستقول أن النص يلزم أي مستخدم ينشر أخبار في حساباته الشخصية بتويتر وأنستقرام أن يطلب الترخيص .
وبالطبع سيكون التطبيق إنتقائيا ووفقا لمزاج الحكومة كما هو الحال في قضية سحب الجناسي التي بينت وبوضوح أن السلطة التقديرية للحكومة والتي توفرها النصوص القانونية غير المحددة وغير الواضحة تطبق وفقا للمواقف السياسية .
ولتقريب الصورة نضرب هذا المثال : إذا قامت سيدة كويتية عمرها خمسين عاما بنشر خبر نقلته عن صحيفة أو قامت بنشر رابط لخبر فهذه السيدة وفقا لنص الفقرة 7 من المادة 4 من مشروع قانون الإعلام الإلكتروني تكون قد خالفت القانون ويكون لوزارة الإعلام الحق في مقاضاتها والعقوبة قد تصل إلى إلى غرامة قدرها ألف دينار .
الفقرة رقم 1 التعاريف :
مشروع القانون لم ينص صراحة على أنه يشمل المدونات الشخصية والتي تتضمن أخبارا ومقالات شخصية لصاحب المدونة أو مقالات ينقلها عن غيره , لكن نصوص القانون وخصوصا في باب التعاريف يشمل وبوضوح المدونات ففي المادة رقم 1 وفي تعريف " النشر الإلكتروني" و " الموقع الإعلامي الإلكتروني " يبدو وبوضوح ومن دون لبس أن المدونات الشخصية مشمولة في القانون وهو ما يتعارض مع الدستور الكويتي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان فحرية التعبير مكفولة للأفراد خارج إطار الحكومة ولا يجوز أن يطلب من اي فرد أن يستأذن الحكومة قبل أن يصدر مدونته الشخصية وإن تضمنت أخبارا ومقالات لغيره .
المادة رقم 7 :
المادة رقم 7 من مشروع قانون الإعلام الإلكتروني الحكومي تحمل مسؤول الموقع المسؤولية الكاملة عن كل ما ينشر في الموقع وهو ما يبين أن وزارة الإعلام تريد أن تخلق في الصحف الإلكترونية رقيب ذاتي يعمل لصالحها بطريقة غير مباشرة , وإلا فما هي علاقة مسؤول الموقع بكل ما ينشر وإن كان مقالة لغيره أو بيانا لوزارة أو تيار سياسي ؟ ولماذا لا نتطور في تشريعاتنا ونحمل المسؤولية مباشرة لصاحب المقال أو البيان ؟
المفارقة أن جمهورية مصر العربية والتي ينتمي لها من تمت إستشارته في صياغة هذا القانون أعلنت وعبر حكم دستوري أن رئيس التحرير غير مسؤول عن كل ما ينشر وأن المسؤولية في النشر فردية وتقع على صاحب الخير أو المقالة.
فلماذا نستورد التجارب المقيدة للحريات ولماذا لا نفكر بإستيراد التجارب التي لا تقيد حريات مسؤولي النشر .
المادة رقم 10 :
المادة رقم 10 من مشروع قانون الإعلام الإلكتروني تضع قيودا على الإعلام الإلكتروني ومن ضمنها إخضاع الصحف الإلكترونية ووكالات الأنباء الإلكترونية إلى تدقيق الحسابات بصورة مشابهة للصحف المطبوعة بما في ذلك الإحتفاظ بسجلات مالية ما يتطلب توظيف محاسبين مختصين وبالتالي زيادة الكلفة على هذه الصحف والوكالات والتي لجأ أصحابها بالأصل للإعلام الإلكتروني لقلة تكاليفه المالية .
المادة رقم 16 :
النكتة الحقيقة في مشروع القانون المادة رقم 16 والتي تحمل مقدم خدمة الأنترنت مسؤولية مخالفة القانون وإن صدرت من صاحب الموقع , ولتقريب الصورة وكأن القانون يحمل وزارة الكهرباء المسؤولية إن أستخدم المستهلك الكهرباء في أمر مخالف للقانون .
المادة رقم 17 :
المادة 17 من مشروع قانون الإعلام الإلكتروني الحكومي تساوي عمليا بين الإعلام الإلكتروني والإعلام المطبوع حين تجعل المحظور واحدا في الحالتين رغم الإختلاف الكبير بينهما من حيث طرق تناول المواضيع وصياغتها , وفي ذلك إلغاء فعلي لقدرة الإعلام الإلكتروني على التأثير اللحظي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق