الاثنين، 28 يونيو 2010

الكويت عادت كما كانت بلا سجناء رأي

أسرة الجاسم تفرح أخيرا وفوقها ميزان العدالة كما بدا على قصر العدل ( مصدر الصورة - وكالة الصحافة الفرنسية )


قرار المحكمة القاضي بإطلاق سراح الكاتب والمحامي محمد عبدالقادر الجاسم والذي أفرح غالبية الكويتيين نتمنى ألا يعكر صفوه الحكم اليوم على الأمين العام للتحالف الوطني خالد الفضالة بأي حكم مقيد للحرية فالكتاب والسياسيين وكل من يدلي برأي يجب ألا يكون عرضة للملاحقة السياسية مهما كانت الدوافع .

شاء القدر أن ينتهي فيه إحتجاز الجاسم في الوقت الذي ستبتديء فيه معركة أخرى الدفاع عن المادة 66 من الدستور والتي نحرت يوم أمس بسبب قرار رئيس مجلس الامة جاسم الخرافي المنفرد بإعتبار مشروع إسقاط فوائد القروض ساقطا لأنه لم يحصل على الأغلبية رغم أن هذه المادة تتحدث فقط عن ضرورة الحصول على أغلبية ثلثي عدد أعضاء مجلس الأمة وإلا فالقانون يعتبر قائما إلى حين التصويت عليه في دور لاحق .

الجلسة الرابعة لمحاكمة الجاسم كانت مثيرة ومشوقة وحابسة للأنفاس خصوصا قبيل انتهائها حينما ردد الجاسم عبارات حادة أكد فيها أنه سيبقى كما هو وسيصر على حقه الدستوري الذي لا يجعل "الصباح " افضل من أفراد الشعب تحت مظلة القانون , وهو ما جعل بعض الحضور يتمنى لو لم يكن الجاسم حادا بهذا الشكل كي يساعد هدوءه على اطلاق سراحه إلا أنه كان وكما هو دائما كان ثابتا لا يتغير, وحسنا فعل كي لا يردد البعض بخبث أن ما حصل للجاسم كان نوعا من التأديب فالرجل وخلال مرافعته الراقية قام بتأديب كثير من المشككين حينما قدم مرافعة مثالية كانت أشبه ما تكون بمحاكمة سياسية لخصومه إستطاع فيها و"بحرفنة" أن يفند كل ما هو قانوني ويكشف كل ما هو سياسي ويعلن وهو السجين بأن دفاعه عن القيم لن يتوقف على الإطلاق .

المحاكمة بدت هادئة وبدا أن الجاسم لن يترافع فقد كان هادئا ولم يبدو عليه أنه يحضر شيئا ليترافع فيه ولكنه وبعد أداء مذهل ورائع من فريق دفاعه الأساتذة عبدالله الأحمد, وجاسر الجدعي ,و أسامة المناور طلب الحديث ولكن ليس من خلف القضبان كي يشعر بحريته .

هذا الطلب الذكي الذي استند فيه الجاسم لسوابق تاريخية في القضاء الكويتي ومن مستشارين أسسوا القضاء الكويتي حيث كانوا يرفضون أن يحاكم المتهم خلف القفص طالما كان متهما بريئا لم تثبت إدانته جعل المحكمة تستجيب فكان ذلك أول بوادر الإنفراج فإنتقل الجاسم من داخل القفص الحديدي ليقف وجها لوجه أمام المحكمة اتبدا حينذاك مرافعة تاريخية تمنى كثيرون لو سجلت بالصوت والصورة وكانت "زبدتها " حينما قال للمحكمة وهو يشير لأبنائه المتواجدين في القاعة ولأسرته أنه يطالب بإطلاق سراحه ليس من أجله وليس من أجل "عيالي " بل فقط من أجل الكويت ومن أجل الحفاظ على سمعتها الخارجية لدى كثير من المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان وبالحريات العامه .

وبصوت حازم ومتماسك قال الجاسم اقسم بالله أنني لست متضايقا من السجن فكل ما فيه من ضباط وعسكريين وسجناء تجمعني بهم علاقات ودية والكل يريد تقديم أي خدمة أطلبها كما أنني سأكون متضررا من إطلاق سراحي إذ ان الدعم الدولي الخارجي سيتوقف تماما لحظة إطلاق سراحي ولهذا فما يهمني في هذه اللحظة سمعة الكويت وعدم تعرضها لأي إجراءات متشدده .

وبنبرة التحدي والثقة تساءل الجاسم هناك طلبات لم تستجب لها المحكمة ومنها حضور صاحب الشكوى وزير الديوان الأميري والذي قدم شكواه عن طريق وكيله ومع ذلك أخذت أقوال هذا الوكيل .

واقسم الجاسم بالله أنه و في حال حضور وزير الديوان الأميري فسيكشف كم هي متهالكة هذه القضية .

وقدم الجاسم صورة للشكل الذي ستسير عليه المحاكمة لاحقا حينما ذكر أنه تصل إليه وهو في السجن تحركات خصومه وهو ما سيكشفه لاحقا خلال سير المحاكمة .

وبنبرة حزينة تخللها ضربات متفرقة على منصة القضاء الواقف تساءل الجاسم موجها حديثه للمحكمة " هل من المعقول أن يصل حالنا وبعد نحو 50 سنة من الإستقلال إلى هذا الحد المتردي ؟ فكيف يتم حبسي مدة 48 يوما ومبررات الحبس الإحتياطي منتفيه ولا يوجد هناك ما يسند إستمرار الحبس على هذا النحو في حين أن الشيخ مبارك الدعيج( المدير العام لوكالة الأنباء الكويتية) لم يتم لا حبسه ولا حتى وقفه عن العمل رغم أنه ليس فقط متهما في قضية أمن دولة مشابهة لقضيتي بل كان الحكم قد صدر عليه بالفعل فهل هناك قانونين في البلد أحدهما يطبق على الشيوخ والآخر على المواطنين ؟ "

وفي نهاية مرافعته وضع الجاسم القاضي أمام مسؤولية تاريخية حينما قال أنني مريض في القلب حسب التقرير الطبي ولهذا قد أتوفى في السجن فجأة وقد شهدت في محضر تحقيق عن وفاة أحد السجناء قبل اسبوع بأنه طلب دواء القلب ولم يحضر له ولهذا اقولها أمام أسرتي و"عيالي" والحضور بأن رقبتي في ذمة المحكمة .

الصمت ساد المحكمة والمعاني العميقة التي صدح بها الجاسم لم تكن تنبيء بأن هذا الرجل الذي أجريت له تسع عمليات قسطرة وعملية قلب مفتوح كان مسجونا لمدة 48 يوما فالذهن كان حاضرا والعبارات متماسكة والمشاعر الجياشة لم تغلبه رغم أنه كان يرمق بين حين وآخر نظرات فخر وألم وحسرة في عيون زوجته أبنائه وبناته و أسرته ومحبيه .

وهكذا وبعد مرافعات تاريخية لفريق الدفاع تمكن الاساتذة عبدالله الأحمد وجاسر الجدعي واسامة المناور من تضييق الخناق على كل التساؤلات التي تثار وتمكنوا من التوضيح وبشكل قاطع بأن القضية سياسية بحته وبأن قرار القاضي سيكون محددا لطبيعة الأوضاع السياسية في الكويت فإما إستمرار الملاحقات السياسية أو توقف هذا النهج في حالة إنتصار القضاء الكويتي للحريات العامة وحصر الخلافات في أطرها القانونية البحته .

المحكمة كانت أكثر من راقية في مداولات الجلسة الرابعة فالقاضي شرح وبحزم في أكثر من موضع أنه لا وصاية لأي أحد على هيئة المحكمة ,وبأن المحكمة هي من بادرت بطلب التقرير الطبي حرصا على سلامة المتهم كما أن موافقة القاضي على خروج الجاسم من القفص الحديدي لتمكينه من المرافعه كان بالفعل قرارا أزال لبسا استمر طويلا تضمنته اجراءات المحكمة طوال الفترة السابقة .

ولم تتوقف البوادر الإيجابية للمحكمة عند هذا الحد فقد استجاب القاضي لطلب أسرة الجاسم الجلوس معه في قاعة المحكم قبيل اصدار الحكم كما أنه وفي بادرة تسجل للمحكمة قام بإستدعاء أشقاء و شقيقات الجاسم وأكد لهم أن المحكمة لا يمكن أن تقبل بوصاية من أحد وان الجاسم سيحظى كما أي متهم آخر بمحاكمة عادلة .

الحضور خرجوا والقلق يصارع التفاؤل قبل أن يتحول الموقف في لحظة إلى صراخ وضحك ودموع وشكر لله بعد أن صدر قرار الإفراج عن الجاسم إلى الجلسة المقبلة في سبتمبر المقبل.


الكويت في لحظة الإفراج عن الجاسم تعود كما كانت بلدا ليس فيه سجين رأي والأمل أن تنتهي هذه القضية بالحكم بعدم الإختصاص وأن توجه التهم إذا أصر الشاكي وفق قانون المطبوعات والنشر لا قانون أمن الدولة .

اليوم بالتأكيد سيتابع الجاسم وعلى الهواء مباشرة مباراة تشيلي والبرازيل كما هي عادته في كل كاس العالم وستعود البسمة إلى هذا البيت الكويتي المحزون طوال 48 يوما مضت .

قرت عيون الزوجة الوفية الصبورة أم عمر والأبناء الأوفياء والبنات الحنونات والأشقاء المخلصين والشقيقات المخلصات وكل صديق وكل مخلص لقضايا الحريات العامة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق